ضياء وإنطفاء

تتبدل الأيام وتتبدل أحولنا معها نتقلب بين حماس مشتعل وإنطفاء تام. قرأت قبل فترة تغريدة يتسأل صاحبها عن حقيقة وجود ضوء آخر النفق؟ فكانت إجابتي أننا نترقب الضوء في مكان خاطيء، الضوء بداخلنا لا بآخر النفق. وأؤمن أنه تعبير حقيقي وليس مجازي، بداخل كلاً منا سراج يضي له عتم الليالي والأيام الكالحة.

طبيعي أن تمر أيام نشتعل فيها ضياءً ننهي قائمة المهام اليومية ونعرج على المهام المؤجلة، نشعر بأن يومنا رائع ولو كان مليء بالصعوبات، بل نراها تحديات تزيدنا حماس. نُبدع في رؤية النعم المحيطة بنا، نمتلي فيها ضياءً و نعكسه على من حولنا. ثم تمر علينا أيام لا نستطيع فيها إشعال السراج فضلا عن انطفائه في المقام الأول. تكون الأيام معها صعبة ثقيلة لا نرى شيء على حقيقته، لا نرى شيئاً أبداً كل ما حولنا غارق في عتمة الظلام.

عند الإنطفاء كنت أجزع من الوضع الذي صرت إليه، أحارب بكل قوتي لإشعال السراج مجددا فأصبح أنا الفتيل الذي يحترق. دائما تفشل محاولاتي وتتفتت كآخر قطعة من فتيل اعتاد الإشتعال. فتطول مدة إنطفائي وإن عدت تكون عودتي بحماس أقل. حتى صرت أرى بوضوح لحظات انطفائي وضيائي أراه أمامي كرسم بياني بين صعود وهبوط. لاحظته أول مرة عند تقليبي لمفكرتي في قسم المراجعة نهاية كل شهر ميلادي، وهو عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي تتكرر كل شهر. تعلمت أنه كلما اشتد بي الضياء لزمتني أيام إنطفاء بعده ثم تعاود الكره مرات عدة. تعلمت أن لا أجزع عند انطفائي ولا أحارب المشاعر التي تجتاحني وقتها مثل الخمول والكسل لأني اعلم أنها تمثل نقطة إنطلاق جديدة.

الخروج من هذة الأيام يتطلب منا شجاعة اختيار الإنطفاء، يقتضى الأمر أن نستسلم فقط، ولا يعد الاستسلام هنا هزيمة بل بداية لانتصارات كبرى ومواجهة أقوى. فلماذا نخاف من الإنطفاء؟ هي مرحلة نريح فيها المحرك، هي مرحلة التزود بالوقود، مرحلة اكتشاف الذات والإنغماس في ملذات خاصة. وقد يكون هذا حافز رائع لمن يريد أن ينطفي للمرة الأولى، اكتشف وقودك. اسأل نفسك مالذي يساعد على إشعال فتيلك مرة أخرى؟ والقاعدة الرائعة هنا أن لكل منا وقود مختلف لسراجه، قد يكون وقت تقضيه مع العائلة أو قراءة كتاب أو الرسم أو طبخة جديدة أو التنظيف أو أعمال يدوية. اسمح لنفسك بالإنطفاء، اكتشف ذاتك وانغمس في ملذاتك.

أضف تعليق