
قد يكتب الله عليك أمرًا كنت تظن أنه لن يحصل لك أبدًا، تظن جهلًا منك أن هذة القصص تصيب الناس حولك فقط وليس أنت. تسمع بها تتعوذ من شرور تقلب الأحوال والأقدار وتمضي. حتى يحدث لك أمرًا يستدعي منك التوقف ثم تعلم أنك عبد من عباد الله ماضي عليك حكم الله كما هو ماضي عليهم. المثل المشهور عن الكأس نصف الممتلئ وتقسيم الناس لمتفائل ومتشائم بناءً على أي جزء من الكأس وقع نظر الشخص عليه يثبت أن هناك جانبين في كل كأس وفي كل قصة. أرفض رؤية جانب واحد على الأخر، هناك جوانب متعدده يجب أن نراها جميعها ولا نهملها لنستطيع أن نحكم على الأحداث حكم صائب ونعيش بواقعية. وهذا يقودنا إلى تقبل ما قد يحدث مستقبلاً ونجهز أنفسنا لذلك. أقول هذا وأنا أخشى القرارات لأنني أحب أن اعرف عواقب الأمور وأخاف من إنقلاب الأحوال، أحب الروتين وأخشى التغير. وكأنني أحصن نفسي بهذا من الأذى ولكن هيهات قدرك سيصيبك شيئت أم أبيت. علمت أن عليّ أن أربي نفسي على تقبل ما كتبه الله لي. أن اختار الرضا كرمًا وحبًا وعلمًا واعلم يقينًا أن في هذا الأمر خيرة لي لا اعرفها. وتربية النفس هذة تبدأ من قبل وقوع الحدث لأن ردة فعل الإنسان عند المصائب تنبع من إيمانه واختلاف ردات فعل الناس للمصائب تأتي من اختلاف أساس يرتكزون عليه لذلك “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.
جهلاً من الإنسان رأى الموضوع من جانب آخر وأراد أن يتحكم بقدره. اعلم أن المصاب كالغريق يتمسك في أي قطعة خشب يراها ولكن هوس التحكم في الأقدار وجذب ما يريد الشخص ما هو إلا ضرب من جنون. المسلم العاقل المتدبر لكتاب الله يعلم أن خير البشر نفى عن نفسه القدرة على ذلك فأين هو من خير البشر! قال الله تعالى “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ“. هذة قاعدة يجب أن يأصلها المسلم في نفسه، لا يملك من أمره شيء إنما الأمر كله بيد الله ذو الجلال والإكرام.
ومن جهله أيضًا أنه يظن بنفسه القدره على استجلاب الخير واستحقاقه التام والغير قابل للشك في ذلك الخير، ورد الشر الذي يرأى أنه لا يستحقه عن نفسه! وكأن الابتلاء شر محض وقد قال الله تعالى “ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” وما هو إلا سنة من سنن الله في الخلق. ومن شروط هذا الإستحقاق أن يؤكد على نفسه كل يوم بتمام قدرته واستطاعته على الاعتماد عليها فقط -أي على نفسه- في ذلك! ويستطيع الإنسان الفطين أن يرى أننا في الأذكار نستعيذ من هذة النفس مرتين في اليوم كل يوم “أعوذ بك من شر نفسي” و “ولا تكلني لنفسي طرفة عين”. فأي استحقاق يتكلمون عنه، استحقاق يورد النفس مورد الهلاك والشر. ويظن أن العيش لا يحتمل إلا بوجود معنى لحياته! فلسفة غربية اتفهم سبب نشؤها بالغرب وانتشارها واستغرب من محاولة الإنسان المسلم أن يطبقها على حياته.
معنى حياتك كمسلم أن تعبد الله وأن تعمر الأرض بما يرضي الله، قال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الصلاة والذكر وقراءة القرآن هي كل من يهم في يومك كمسلم وهي الأساس، وأن ترعى الله في أمورك الدنيوية كإنجاز مهني أو دراسي. وليس العكس، أي أن نجعل الإنجاز والاحتفاء به مقدم على الطاعات والصلاة والأذكار وفي الحديث الصحيح “من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ” وهذا ما يربى عليه النشء. أن دينه دين كامل، يعلمه ويؤدبه ويسن له أسلوب حياة متوافقه من فطرته. ما بين أوامر ونواهي وابتلاءات واختبارات حتى يلقى ربه. وكم من حمل سيسقط وراحة بال سيستأنس بها إن تعلم الإنسان حدوده وأدرك يقينًا سبب وجوده وعرف أولوياته وعاش وفقًا لذلك كله.
كل ما كتبت كان خلاصة بحث وتجربة وقراءة، ومحاولة مستمره لتربية وتهذيب نفسي. قرأت كثيراً في فلسفة معنى الحياة وأرشح كتاب الأستاذ عبدالله الوهيبي “معنى الحياة في العالم الحديث”.
