تأملات في رواية نعاس لـ هاروكي موراكامي

بعد كتابة تدوينتي السابقة فكرت كثيراً في كتاب قراءته قبل سنتين وهو رواية “نعاس” للكاتب هاروكي موراكامي. اتذكر عند البدء بقرائتها لم أجد فيها ما يجذبني حقاً. وقعت عليها صدفة وكنت أنوي منذ زمن البدء بقراءة روايات الكاتب الياباني الشهير. وكانت النعاس أول مصافحه بيننا. الكتاب صغير جداً لا يتجاوز ال 90 صفحة قرأته في جلسة واحدة، ولم يكن حجم الكتاب السبب الوحيد لذلك. اندمجت مع الشخصية الرئيسية التي فقدت القدرة على النوم بشكل مفاجئ. كنت مشدوهه بتلك الفكرة وفكرة القدرة على استغلال جميع ثواني حياتك لفعل ما تريد. حتى وصلت نهاية الكتاب وأظن أنني استطعت أن افهم رمزية الرواية.

اتذكربعد أن أنهيتها توجهت مباشرة إلى تطبيق قودريدز على هاتفي لكتابة مراجعة* عن الكتاب. كنت أتمنى أن أوصل أفكاري ومشاعري في تلك اللحظة وكانت هذة المراجعة:

لعلي وجدت روايتي المفضلة!

على مدى سنوات قراءاتي كلها لم تمسني رواية بشكل شخصي كما مستني هذة الرواية ❤️ ولعلي وجدت سبب لمحبي هاروكي موراكامي.


هنا في النعاس الأمر أعمق بكثير من امرأة فقدت النعاس والقدرة على النوم. هنا في النعاس وجدت امرأة اختارت طريق الأمومة والزواج وانغمست في مسؤولياتهم إلى أن نست نفسها في سبيل نجاح وراحة أسرتها الصغيرة. ولكنها حافظت ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بحب قبل أن تلتزم بتلك المسؤوليات. فساعدتها الرياضة في إعادة الصلة بنفسها القديمة. وهذا دليل مهم على أن الشخص الذي رأته في الكابوس وكان السبب في فقدها القدرة على النوم كان بالحقيقة هي نفسها. ولمن لم يقرأ الرواية، البطلة قد رأت في الحلم أن “عجوزًا يرتدي لبس رياضي” يسكب عليها ماء لا ينضب من إناءه الفخاري. والماء هنا هو رمزية للوقت الذي زاد بأيامها واتسعت فيه حياتها عندما فقدت القدرة على النوم فاستفادت من كل تلك الساعات المهدرة بالنوم. وقد ذكر هاروكي في الرواية منام صديقتها التي فسرته بالقلق ونلاحظ وجود “العجوز” كدلالة به على صاحب المنام .

ولعلي هنا أميل إلى أن النعاس والنوم لم يكن الوضع الفسيولوجي الطبيعي، بل كانت غفلة تعيشها البطلة ثم تنبهت منها بعد الكابوس. اتسعت حياتها وأعطت نفسها حقها وأحبتها وقد ذكرت ذلك البطلة في الكتاب. فالأم في وقت من الأوقات قد تفقد نفسها بكثرة المسؤوليات وبتقديم أفراد عائلتها على نفسها. في الرواية وبعد اتساع حياة البطلة واكتسابها الوقت الذي كانت تقضية في النوم لممارسة ما تحب، لم تتأثر مسؤولياتها كأم وزوجة في بداية الأمر. لم يتغير شيء. لكن فقدان النعاس وفقدان القدرة على النوم هو أمر غير طبيعي، ففي النهاية تمكن منها النعاس واستسلمت له. وذلك بعد أن جلست في سيارتها وحيدة ثم قام شخصان بهز السيارة حتى وقعت في النوم. هنا ربطت بين الشخصين ومسؤولياتها كأم وزوجة. أي أن هذة المسؤوليات تمكنت من هز كيانها كامرأة مثلما هز الشخصان السيارة مما أدى إلى عودتها تدريجيًا إلى النعاس والغفوة. الجدير بالذكر أن البطلة كانت تقاوم وبذلت الأسباب كيلا تنام ثم استسلمت في الأخير.

قرأت هذا الكتاب وخرجت منه بهذة النظرة وأنا أرى أن الأمومة والتربية من أمتع وأصعب المسؤوليات التي التزمت بها في حياتي. قولي أن الرواية مستني بشكل شخصي لا أعني به نظرة سلبية عن الزواج والأمومة.على العكس تماماً فأنا أرى أن الحنين إلى نفسك القديمة هو تطور طبيعي ولحظة إدراك من الأم بطبيعة المسؤوليات الجديدة الملقاه على عاتقها. بالمناسبة أنت تتعلم إدارة هذة المسؤوليات بالخبرة. بدون خبرة أنت لا تملك أي فكرة عما يحدث حولك مهما كنت مستعدًا قبل ولادة طفلك، مما يضاعف شعور التية والقلق. اذكر عند كتابة هذة التدوينة كانت ابنتي تتم عامها الأول وكنت أمر بلحظة التية هذة.

لذلك عزيزتي الأم الجديدة التائهة لا تقلقي.

__________________________________________

* قمت ببعض التعديلات لتناسب من لم يقرأ الرواية.

أضف تعليق