
عزيزتي رَ هل تعلمين لما أضع الفتحة على أول حروف اسمك هنا؟
الليلة التي صعدت فيها روحك إلى السماء كنت أنا هُنا على الأرض أكاد أُجن من فرط وقع الخبر. لم استطيع النوم، شعوراً ظل يحثني على أن استعرض كل حساباتك الشخصية على الانترنت. وعلى عكس الكثير -ربما- لم ابحث عن صورك في هاتفي، حتى بعد تلك الليلة بأسابيع. كنت ابحث عن الكلمة. شعرت أنك ما زلت حية من خلالها أحسست أن الروح تدب فيك عند كل كلمة أقراها. أم أنها كانت تدب فيني أنا -لا أعلم-.
بدأت في تويتر مكاننا الأثير، أعادني بالزمن خمسة عشر سنة وربما أكثر. من عادتي بعد أن أنطق بمدة زمنية كهذة أقول “عُمُر” لكني هنا توقفت كثيراً بعدما كتبتها. لم أجرؤ أن اقول انه كان عمراً، بل مرت كلحظة بل ثانية. خمسة عشر سنة مدة قصيرة اقضيها معك. كان تويتر هو المكان الشاهد على تغيراتنا، قضينا فيه مراهقتنا المتأخرة ثم الشباب وانتهى -انتهى-. كانت نظرتنا قاصره ككل الشباب، كنا في قمة حماسنا للحياة مفرطين في التفاؤل نخطو خطواتنا الأولى في عالم الكتب نمتص كل ما نقرأ كاسفنجة، كما تحبين أن تذكري هذا دائما. ثم هدأت الشعلة وتوازنت النظرة وأخذنا الحياة بجدية أقل. لم نسقط في وعر التشاؤم أبداً. أعلم أنك في مرحلة تالية زهدتي في الدنيا أما أنا فلا، هذة مرحلة سبقتني بها وأوصلني لها موتك.

أما “ريدت” تطبيقك المفضل، كان عزائي بعد وفاتك. قبل عامين كتبت رداً (الصورة في الأعلى) تواسين فيه محزوناً يبكي فقيده، كانت كلماتك في غاية اللطف مسحت عن قلبي حزني بطريقة غريبة. ترى هل كنت تعلمين أني سأكون أنا ذاك المحزون وستكونين انت ذاك الفقيد؟ لم تحبي الشكوى وترفضي أن تعيشي في الحزن، كنت اعلم ذلك. لم أكن اشكي لك كما اشكي لغيرك، كنت أصيغ مشاكلي كسؤال فلسفي أخلاقي نناقشه سويًا. وكنت أعود دائمًا وقد حلت عُقد كانت تعتصر قلبي. غرقت تلك الليلة في حسابك، أصور كل ما تقع يدي عليه. احتفظ فيه وأكرر قراءته أكثر من مرة وكأن ما كتبتِه سيرحل كما رحلتي! فتحت الصفحة الرئيسة لحسابك ثم ضمتت هاتفي وأغمضت عيني. “الحمدلله باقي لي من رَ شيء ما عرفته عنها، باقي لي من رَ كلام ينتظرني أقراه! الحمدلله هي ما انتهت باقي لي منها شيء!” ظللت أردد تلك الجمل حتى غفوت. تبدو الفكرة طفولية وغير منطقية الآن لكنها لم تكن كذلك وقتها؛ خلت الحياة من المنطق في تلك الليلة.
في الليلة التالية تذكرت انستقرام. وجدتك هناك كما كنت قبل سبعة سنوات؛ تركته قبل سنة واحدة من المرض. ألمني حسابك فيه وجدتك صغيرة جداً، ونابضه بالحياة. تصفحته سريعاً ووقعت عيني على منشور كان رائجاً وقتها. تحديتك فيه أن تكتبي عشرة حقائق عن نفسك، كنت ممتنه أن الله قدر لي اختيارك بالتحدي. كتبتِ فيه عدة حقائق عن نفسك وقد شدني منها هذة الحقيقة: أن من حولك ينطقون اسمك بطريقتين بفتح الراء وبضمها، وأنك تعلمين كل شخص وطريقته. حينها فقط اكتشفت طريقتي يا رَ.
سأظل اكتب لكِ حتى ألقاك يا حبيبتي في جنات عدن بإذن الله، أحبك.






