أرشيف التصنيف: شذرات

رَ أم رُ – رسائل لن تصل (2)

عزيزتي رَ هل تعلمين لما أضع الفتحة على أول حروف اسمك هنا؟

الليلة التي صعدت فيها روحك إلى السماء كنت أنا هُنا على الأرض أكاد أُجن من فرط وقع الخبر. لم استطيع النوم، شعوراً ظل يحثني على أن استعرض كل حساباتك الشخصية على الانترنت. وعلى عكس الكثير -ربما- لم ابحث عن صورك في هاتفي، حتى بعد تلك الليلة بأسابيع. كنت ابحث عن الكلمة. شعرت أنك ما زلت حية من خلالها أحسست أن الروح تدب فيك عند كل كلمة أقراها. أم أنها كانت تدب فيني أنا -لا أعلم-.

بدأت في تويتر مكاننا الأثير، أعادني بالزمن خمسة عشر سنة وربما أكثر. من عادتي بعد أن أنطق بمدة زمنية كهذة أقول “عُمُر” لكني هنا توقفت كثيراً بعدما كتبتها. لم أجرؤ أن اقول انه كان عمراً، بل مرت كلحظة بل ثانية. خمسة عشر سنة مدة قصيرة اقضيها معك. كان تويتر هو المكان الشاهد على تغيراتنا، قضينا فيه مراهقتنا المتأخرة ثم الشباب وانتهى -انتهى-. كانت نظرتنا قاصره ككل الشباب، كنا في قمة حماسنا للحياة مفرطين في التفاؤل نخطو خطواتنا الأولى في عالم الكتب نمتص كل ما نقرأ كاسفنجة، كما تحبين أن تذكري هذا دائما. ثم هدأت الشعلة وتوازنت النظرة وأخذنا الحياة بجدية أقل. لم نسقط في وعر التشاؤم أبداً. أعلم أنك في مرحلة تالية زهدتي في الدنيا أما أنا فلا، هذة مرحلة سبقتني بها وأوصلني لها موتك.

منشور رَ في رديت رداً على محزون يعاني ألم الفقد

أما “ريدت” تطبيقك المفضل، كان عزائي بعد وفاتك. قبل عامين كتبت رداً (الصورة في الأعلى) تواسين فيه محزوناً يبكي فقيده، كانت كلماتك في غاية اللطف مسحت عن قلبي حزني بطريقة غريبة. ترى هل كنت تعلمين أني سأكون أنا ذاك المحزون وستكونين انت ذاك الفقيد؟ لم تحبي الشكوى وترفضي أن تعيشي في الحزن، كنت اعلم ذلك. لم أكن اشكي لك كما اشكي لغيرك، كنت أصيغ مشاكلي كسؤال فلسفي أخلاقي نناقشه سويًا. وكنت أعود دائمًا وقد حلت عُقد كانت تعتصر قلبي. غرقت تلك الليلة في حسابك، أصور كل ما تقع يدي عليه. احتفظ فيه وأكرر قراءته أكثر من مرة وكأن ما كتبتِه سيرحل كما رحلتي! فتحت الصفحة الرئيسة لحسابك ثم ضمتت هاتفي وأغمضت عيني. “الحمدلله باقي لي من رَ شيء ما عرفته عنها، باقي لي من رَ كلام ينتظرني أقراه! الحمدلله هي ما انتهت باقي لي منها شيء!” ظللت أردد تلك الجمل حتى غفوت. تبدو الفكرة طفولية وغير منطقية الآن لكنها لم تكن كذلك وقتها؛ خلت الحياة من المنطق في تلك الليلة.

في الليلة التالية تذكرت انستقرام. وجدتك هناك كما كنت قبل سبعة سنوات؛ تركته قبل سنة واحدة من المرض. ألمني حسابك فيه وجدتك صغيرة جداً، ونابضه بالحياة. تصفحته سريعاً ووقعت عيني على منشور كان رائجاً وقتها. تحديتك فيه أن تكتبي عشرة حقائق عن نفسك، كنت ممتنه أن الله قدر لي اختيارك بالتحدي. كتبتِ فيه عدة حقائق عن نفسك وقد شدني منها هذة الحقيقة: أن من حولك ينطقون اسمك بطريقتين بفتح الراء وبضمها، وأنك تعلمين كل شخص وطريقته. حينها فقط اكتشفت طريقتي يا رَ.

سأظل اكتب لكِ حتى ألقاك يا حبيبتي في جنات عدن بإذن الله، أحبك.

حياة مليئة بالتوقفات والمشاريع غير المكتمله

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}

قبل أيام أتمت ابنتي سبع سنوات وفق التقويم الهجري، اخبرتها بذلك وعبرت لها عن حماسي الشديد لنصلي معًا كل يوم. لا اعلم ما الفتوى في ذلك وهل يجب عليها أن تصلي جميع الصلوات أم ان التكليف يكون عند بلوغها. ولكن قرأت قبل فتره أن من سبع سنوات إلى عشر سنوات هي فترة التدريب لتلتزم بأداء الصلوات وحدها. لذلك بدأنا ببعض الصلوات وليس كلها. هدفي في هذة المرحلة تحبيبها في الصلاة وحرصها لتلبية النداء عند الآذان، أما اتقان الصلاة فهي تعرف أركانها ولكنها لا تتقنها بصوره كاملة. لا مشكلة سيكون معنا ثلاث سنوات نتدرب حتى تتقنها.

هل ذكرت لكم أن أطفالي يهذبونني في التربية أكثر من تهذيبي لهم؟

تجبرني الأمومة على الخروج من منطقة راحتي. أما المدارس والعلاقات الاجتماعية تختبر مبادئي في التربية. أدركت في الفترة الآخيرة أن بعض المشاكل التي تحدث مع أطفالي يكون حلها في تغير طباعي والتخلي عن بعض المعتقدات التي تحتاج إلى مدينة فاضلة لتطبيقها. نحن غير مثاليين وسنربي أطفالًا غير مثاليين في عالم غير مثالي، سعينا المستميت لتطبيق الأفكار التربوبية المثالية مرهق وغير عملي في بعض الأحيان. من الحكمة التنازل وموازنة الأمور.

قيل لي أن الامتيازات للعائلة المغتربة أكثر من العائلة المستقرة مع “جماعتهم” في نفس المدينة، فهم يستطيعون السيطرة على أولادهم فالقوانين واضحة والتدخلات معدومه، و مقارنة الأقران مصطلح يسمعون به ولا يعيشونه. ألغيت الأطراف الخارجية ولكن الجانب الاجتماعي كله ألغي معها. لن تنتبه الأم لذلك في عمر الطفل المبكر، حتى يبدأ يتفاعل طفلها مع من حوله. يجب على الأم هنا أن تدرك أن مجتمع أطفالها سيكون من مسؤوليتها وحدها فيجب عليها أن تبني علاقات اجتماعية لتكون صداقات طفولة لهم.

كذلك عند عودتهم لأهلهم واجتماعهم مع أقرانهم ستلاحظ فجوة في العلاقات قد تكبر كلما ازدادوا بالعمر خصوصًا اذا كانت بين الأقران لقاءات اسبوعية وهذا طبيعي جدًا. ولحسن الحظ أنها من المشاكل التي تستطيع أن تتفادها مبكرًا لذا وجب على الأم أن تحرص على التواصل اليومي أو شبة اليومي بينهم خصوصًا من خلال الاتصالات المرئية. أما الخروج من المنزل بشكل يومي للحدائق فهو ضروري وليس رفاهية، لأنها تخلق تفاعلات مع المجتمع الخارجي لا يمكن لنا تعويضها في البيت. وقد تعوضهم جزئيًا عن التفاعلات التي تفتقدها العائلة المغتربة البعيدة عن أهلها.

أما أنا فعلى غيري عادتي السنوية لم ابتع هذا العام أجندة،ولعل الخيرة في هذا الموضوع هو اكتشافي أن شراءها كل سنة لم يكن هدرًا للمال. بدأت حياتي في غاية العشوائية، تبدو المهام عائمة في عقلي! افتقدت القوائم المرتبة. حاولت كثيراً أن انتقل للأجندة الالكترونية، ولكن في كل مرة اضطر لاستعمال ورقة خارجية لأرتبها في البداية قبل أن اسجلها الكتروني! لذا اتجهت للبحث مجددًا عن أجندة جديدة، أحب Passion Palnner واستعملتها أربع سنوات متتالية ولكن حياتي الآن أهدأ وأبسط من تقسيماتها الكثيرة.

لا افك أن اذكر لمن حولي أنني أعاني من حبسه القارئ، آخر كتاب قراءته كان إعادة قراءة لكتاب قديم مع مجموعة قرائيه! أحاول العودة بشتى الطرق اشتركت مع مجموعتين في نفس الوقت بمبلغ مادي لإضافة دافع للقراءة، ولكني لا استطيع أن انهي الكتاب. لدي الآن أكثر من خمسة عشر كتاب معلقًا لم أقرأ منه سوى بضع صفحات. اعترتني هذة الحبسة منذ أكثر من سنة ولا أزال حبيستها. غير أنها لم تطل رغبتي في شراء الكثير من الكتب فتراكمت الكتب الجديدة في مكتبتي وكأنها تتهكم علي. عزائي في هذا أنني لم أتوقف عن القراءة لأطفالي أبدًا فكان لهم نصيب الأسد من معرض الكتاب هذا العام. أحب قراءة واستعراض قصص الأطفال وهذة من الجوانب التي لم أكن اتخيل أن اهتم بها قبل الأمومة. لا تختلف هذة المشاعر عن ما نحس به حين نتصفح كتب لأنفسنا. أقرأها وأرى إن كانت تناسب قيم الدين الاسلامي وقيم المجتمع وعائلتنا الصغيرة. ابحث عن الكتب التي تستعرض المشاكل التي نتعرض لها ثم اسألهم عن منظورهم للقصة وما هو رأيهم بتصرف البطل. بعض القصص لا يعجبني تصرفه فأقرأها لهم وأبين أن هذا التصرف خاطيء ونحاول أن نجد حلول بديله. أحب هذا الوقت جدًا وأضع أمام عيني أن هذة كلها ذكرياتهم وأن هذا ما سيبقى مني لهم بعد فترة من الزمن فأحاول أن أحسن.

قد تكون الحبسه هي سبب انقطاعي هنا كلما أكثرت من القراءة كلما زاد مخزوني وزادت رغبتي في التعبير. كما أن هذة الأيام تبدو فيها فكرة العيش وممارسة الحياة الطبيعة ضربًا من جنون، لا يحتمله قلب لا يؤمن بقضاء الله وقدره. مشاعري غدت أشبه بأفعوانية، لا اعلم ما ينتظرني في كل لحظه. تاره اقوم بواجباتي بحزم وتاره بعطف وحنو، أقفز كالمجنونة بين عدة أمور اتخذتها لنفسي وما ألبث حتى اترك كل شيء وانسحب ببطء لفراشي؛ حين تعتريني نوبة بكاء أعلم سببها. وهذا ما ينخر قلبي ويضعف قواي انني لا أملك من الأمر شيء سوى التسليم لقضاء الله وقدره. ثم احاول أن اكمل يومي كما كنت ولكني اقف في كل لحظة واتسأل: هل ما يحدث حقيقي فعلاً!

كتبت هذة التدوينة كمصافحة اعتذار، سأحاول جاهده العودة مجددًا. ادعوا لأحبابي بالصحة والشفاء ولأولادي بالصلاح والهداية.

استعادة الهدوء: دور الغروب في تقليل التوتر

قبل يومين خرجت في مهمة طارئة قبيل المغرب؛ أي في ساعة ذروة مهام الأمومة في بيتي. ولحسن حظي أخذ مني المشوار ما يقارب ثلاثاً وعشرين دقيقة، قضيتها كلها في مشاهدة غروب شمس ذلك اليوم. عندها آمنت أنني أحب الغروب كثيراً. أدركت ذلك عند لحظة الصفاء التي توقف فيها ذهنٌ لا يكل من تكرار المهام المتبقية والوقت اللازم لتنفيذها. كنت أراقب غروب الشمس فقط. ولفرط شعوري بالراحة والهدوء قررت أن أبحث عن ما حدث منذ لحظات؟! كنت قد قرأت منذ فترة عن تأثير الطبيعة على الإنسان ولكن أريد أن أعرف ما علاقة غروب الشمس خصوصاً بهذه السكينة. وجدت لها عدة تفسيرات:

بالطبع أولها هي ألوان الغروب المنتشرة في الجو حين تصبغه بصبغتها الدافئة. تتدرج هذه الألوان بين الوردي والأحمر والبرتقالي وتتميز بتأثيرها المهدئ على الدماغ فتبعث في النفس الشعور بالدفء والمحبة. هذا الشعور قادر على جلب ذكريات مرتبطة بهذه المشاعر مما يعزز الإحساس بها. وهذا كله مثبت في دراسات كثيرة في علم النفس اللوني وعلم النفس العاطفي. تؤكد هذه الدراسات أن ذكريات الأماكن والمناظر التي تثير المشاعر الإيجابية تُخزن في الذاكرة طويلة الأمد. فمن هذه الذكريات مثلاً مشاهدة غروب الشمس لأول مرة في مرحلة الطفولة؛ الذي أعطى معنى وجمال لهذه الظاهرة فخزن في الذاكرة طويلة الأمد بحماس ودهشة الأطفال. استجلاب هذه الذكريات يجعلنا لا نمل من تكرار مشاهدة المناظر الجميلة، حتى وإن كان يتكرر يومياً مثل الغروب.

المديرة التنفيذية للجمعية الأسترالية لعلم النفس، زينا بورجيس، تؤمن أن غروب الشمس يصلنا بقوة عظمى تفوق القوة الإنسانية، فيؤدي ذلك إلى الهدوء والسكينة، وتعلل ذلك بنتائج الدراسات التي أثبتت أن الطبيعة تحفّز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المسؤول عن الاسترخاء، وتقلل من نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن التوتر. بالتالي التعرض للطبيعة بشكل عام له تأثير إيجابي على الإنسان، خاصة الإنسان الذي يعيش في بيئة مدنية خالصة، كمن يعيش في المدن الكبرى. فهي تساهم في خفض مستويات التوتر والقلق لدى الإنسان. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن المناظر الطبيعية تحسن المزاج وتقوي الذاكرة وتحسن من القوة الإدراكية التي تساعدنا في توجيه الانتباه والتركيز. الذي قضت عليه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي.

تأثير الطبيعة علينا يبدأ مبكراً في عمر الطفولة ويمتد إلى أن نكبر. ففي إحدى الدراسات التي أُجريت على عدد من البالغين قُسموا فيها إلى مجموعتين، كانت المجموعة الأولى أعضاؤها نشأوا في بيئة طبيعية وكانوا يتعرضون للطبيعة أكثر من أعضاء المجموعة الثانية الذين نشأوا في بيئة مدنية. أظهرت النتائج أن المجموعة الأولى كانت أقل تعرضاً للاكتئاب من المجموعة الثانية بعد البلوغ. فكانت الدراسة توصي بالحرص على خروج الأطفال إلى الطبيعة بشكل دوري، مثل الذهاب إلى الحدائق والجبال والبحر وغيره؛ من أجل صحتهم النفسية. فلو حاول الوالدان تعويض نقص البيئة الطبيعية بتعريف أولادهم عليها من خلال الشاشات لن ينفعهم. فقد أُجريت دراسة للمقارنة بين تأثير مشاهدة صور للطبيعة (مثل نبتة) وتأثير مشاهدتها مباشرة في الطبيعة. كانت النتائج تدل على زيادة تركيزات الأوكسي هيموجلوبين في القشرة الجبهية الأمامية للدماغ أثناء مشاهدة النبتة في الطبيعة، وهذا لم يحدث أبداً خلال مشاهدة صور النبتة نفسها. ويدل هذا على أن الطبيعة لها فوائد فسيولوجية لنشاط الدماغ لا يمكن الحصول عليها من مشاهدتها خلف الشاشات.

الجانب الجيد أننا نستطيع أن نعوض البعد عن الطبيعة من خلال دمجها في حياتنا اليومية، مثل اقتناء النباتات الداخلية فهي تحسن من جودة الهواء وتقلل التوتر والإجهاد. تخصص وقت للمشي يومياً في الأماكن المفتوحة والتعرض لضوء الشمس في الأجواء اللطيفة. وبالطبع مراقبة غروب الشمس، فالغروب محفز طبيعي لحالة التأمل فهو فرصة للقيام بعبادة التأمل والتفكر في حسن خلق الله ودقته. وهو حلقة وصل بين الإنسان المدني والإيقاع الطبيعي للحياة؛ فيعزز شعور الانسجام مع الطبيعة. وقد يمثل للبعض جرعة تفاؤل في نهاية يوم منجز ومتعب فيعزيز الشعور بالامتنان، ويحفز التفكير العميق.

لا تجعل من صاحبك اسفنجة

أنتم سروري وأنتم مشتكى حزني
وأنتــم فـي ســواد الليل ســماري
أنتــم وإن بعــــدت عني منــازلكـم
نــوازل بـيــن إســراري وتــذكــاري
الله جــــــاركـــــم ممــــا أحـــــاذره
فيكم وحبي لكم من هجركم جاري

شاهدت مؤخراً حلقة الدكتورة هبة في بودكاست فنجان مع ثمانية. ذكرت فيها دراسة عن مدى تأثير التعاسة الزوجية على جمال المرأة. أجريت الدراسة على مجموعة من السيدات المتزوجات وجدوا فيها أن مجموعة النساء التي تتحدث عن مشاكلها الزوجية مع “مجموعة دعم” لم يتأثر شكلهم الخارجي مع مرور الزمن والعكس حدث مع المجموعة التي تضمر في نفسها. حيث بدأت أكبر بالعمر وتشتكي من مختلف الآلام والأمراض. واستشهدت الدكتورة بحديث أم زرع على وجود هذا النوع من مجموعات الدعم في وقت سابق -وان اختلف شكله-.

أؤيد هذة الفلسفة كوسيلة للتعامل مع المشاعر التي تعصف بنا في بعض الأوقات. أراها كوسيلة نستخدمها مثل أن نستخدم الكتابة لذلك. وهي قد تعزز من أواصر العلاقات وقد تهدمها، فلسفتي فيها هي أن نسدد ونقارب. وانصح بقراءة كتاب “ربما عليك أن تكلم أحدا” لأنه يشرح هذة الوسيلة وكيفية استخدامها بكفاءة. ولكن أنا ضد أن تتحول مجموعتي الداعمة -وغالباً صديقتي- لإسفنجة وظيفتها فقط امتصاص مشاعري السلبية.

تمر الصداقة بعدة مراحل أولها مرحلة البدايات وحماس التعرف على علاقات جديدة. تتسم بطابع المرح والفضول والكثير من القصص التي تنتظر منا أن نرويها. ثم المرحلة التي تليها مباشرة هي مرحلة التآلف وهي المرحلة التي لابد أن تحدث لاستمرار علاقة الصداقة. تتسم هذة المرحلة باكتشاف نقاط مشتركة مثل الاهتمامات أو الأفكار أو المرجعيات الاجتماعية وغيرها. ما يهمنا من هذة المراحل هي مرحلة متقدمة قد تصلها بعض الصداقات، أطلقت عليها مرحلة الاسفنجة. أن تكون مهمة صديقتك الوحيدة هي امتصاص طاقتك السلبية وقد يكون الأمر بالتبادل أحياناً. أن يكون صديقك هو معالجك النفسي الغير مختص. هذة المرحلة تضع حمل ثقيل على طرف الاسفنجة في العلاقة. فهو يحتار بين رغبته بتقديم المساعدة والأذن الصاغية وبين جهله بطرق معالجة هذا الكم الهائل من المشاعر السلبية التي تجتاحه. وقد يقدم مشوره تضع صديقه في مزيد من المشاكل.

هذة المرحلة هي مفترق طرق، إذا كان الصديق المستاء أناني بما يكفي لتجاهله عمداً بمدى الضرر الذي يسببه كلامه على صديقه الاسفنجة فهو من البداية لا يأخذ هذة العلاقة على وضع متكافئ. على الاسفنجة أن يحدد وضع صديقه ثم يتعامل معه بناءً على ذلك. وقد تختلف هذة الحالات بتباين الشخصيات والأوضاع مثل:

  • جهل الصديق المستاء بمدى تأثير كلامه على صديقه الاسفنجة، هنا من حق الصديق أن يعلم. على الاسفنجة أن يتكلم مع صاحبه بصراحة تامة. أن يبين له عن استعداده التام لسماع الشكوى وبمدى تأثيرها عليه وأن يبين أنها تقع في نفسه هذا الموقع لرفعه مكانة صديقه عنده. فهو لا يتملل منه بل يريد أن يضع هذة الشكوى في قالب يناسب الطرفين.
  • ضعف شخصية الاسفنجة وعدم قدرتها على المصارحة، قد يضطره ذلك لاستخدام الحيل للخروج من وضعية الصديق الاسفنجة.
  • انتهاء المنفعة من هذة الصداقة حيث قامت ببدايتها على وجة تشابه انتهى، مثل مكان عمل واحد. عندها استحالت هذة العلاقة إلى مكب تفريغ لا أكثر. هنا الأفضل للطرفين أن تنتهي هذة الصداقة مع حفظ العشرة والأيام الجميلة بينهم.

على أن انوه أن المقصود بالصديق المستاء في هذة التدوينة هو شخص سليم لم يتم تشخيصه بأحد الأمراض النفسية ويشعر أنه في دائرة مظلومية يتخيلها. الصديق الذي يرفض كل الحلول المقترحة للخروج من هذة الدائرة. الذي يستمتع بشعور الشفقة والنقص، الذي لا يرى النعم المحيطه به ويركز على النقص في حياته. الصديق الذي يستمر في هذة الدائرة سنين طويلة لا يريد الخروج منها وإن حلت مشكلة يخترع مكانها مشاكل أخرى ليضل بهذة الدائرة.

أما الصديق الذي يمر عليه طيف الاستياء ويشتكي لصديقه فهذا لا ينطبق عليه أياً مما سبق. فنحن بأصدقائنا نتحمل أقدار الحياة وتقلبات الزمان.

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواســيـك أو يسلــيك أو يتـوجــع

آمل أن لا تكون التدوينة سبب لنهاية صداقات قديمة بل سبب في تصحيح مسارها. قرأت مرة أننا في كل علاقة صداقة نقسم جزء من روحنا لهذا الصديق نشاركه همومنا وأفراحنا وأفكارنا وطموحاتنا ونرى العالم بنظرة وسطية بين ما يراه وما نراه. نستودعه هذا الجزء ونمضي وعندما تمر علينا ليالي عجاف نقابل أصدقائنا ثم يُستدعى هذا الجزء من روحنا ليعيدنا إلى المسارالصحيح. هذة العلاقة السامية لا ينبغى أن تدمرها اسفنجة.

ما معنى حياتي؟ وما معنى كل هذا؟

قد يكتب الله عليك أمرًا كنت تظن أنه لن يحصل لك أبدًا، تظن جهلًا منك أن هذة القصص تصيب الناس حولك فقط وليس أنت. تسمع بها تتعوذ من شرور تقلب الأحوال والأقدار وتمضي. حتى يحدث لك أمرًا يستدعي منك التوقف ثم تعلم أنك عبد من عباد الله ماضي عليك حكم الله كما هو ماضي عليهم. المثل المشهور عن الكأس نصف الممتلئ وتقسيم الناس لمتفائل ومتشائم بناءً على أي جزء من الكأس وقع نظر الشخص عليه يثبت أن هناك جانبين في كل كأس وفي كل قصة. أرفض رؤية جانب واحد على الأخر، هناك جوانب متعدده يجب أن نراها جميعها ولا نهملها لنستطيع أن نحكم على الأحداث حكم صائب ونعيش بواقعية. وهذا يقودنا إلى تقبل ما قد يحدث مستقبلاً ونجهز أنفسنا لذلك. أقول هذا وأنا أخشى القرارات لأنني أحب أن اعرف عواقب الأمور وأخاف من إنقلاب الأحوال، أحب الروتين وأخشى التغير. وكأنني أحصن نفسي بهذا من الأذى ولكن هيهات قدرك سيصيبك شيئت أم أبيت. علمت أن عليّ أن أربي نفسي على تقبل ما كتبه الله لي. أن اختار الرضا كرمًا وحبًا وعلمًا واعلم يقينًا أن في هذا الأمر خيرة لي لا اعرفها. وتربية النفس هذة تبدأ من قبل وقوع الحدث لأن ردة فعل الإنسان عند المصائب تنبع من إيمانه واختلاف ردات فعل الناس للمصائب تأتي من اختلاف أساس يرتكزون عليه لذلك “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.

جهلاً من الإنسان رأى الموضوع من جانب آخر وأراد أن يتحكم بقدره. اعلم أن المصاب كالغريق يتمسك في أي قطعة خشب يراها ولكن هوس التحكم في الأقدار وجذب ما يريد الشخص ما هو إلا ضرب من جنون. المسلم العاقل المتدبر لكتاب الله يعلم أن خير البشر نفى عن نفسه القدرة على ذلك فأين هو من خير البشر! قال الله تعالى “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ“. هذة قاعدة يجب أن يأصلها المسلم في نفسه، لا يملك من أمره شيء إنما الأمر كله بيد الله ذو الجلال والإكرام.

ومن جهله أيضًا أنه يظن بنفسه القدره على استجلاب الخير واستحقاقه التام والغير قابل للشك في ذلك الخير، ورد الشر الذي يرأى أنه لا يستحقه عن نفسه! وكأن الابتلاء شر محض وقد قال الله تعالى “ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” وما هو إلا سنة من سنن الله في الخلق. ومن شروط هذا الإستحقاق أن يؤكد على نفسه كل يوم بتمام قدرته واستطاعته على الاعتماد عليها فقط -أي على نفسه- في ذلك! ويستطيع الإنسان الفطين أن يرى أننا في الأذكار نستعيذ من هذة النفس مرتين في اليوم كل يوم “أعوذ بك من شر نفسي” و “ولا تكلني لنفسي طرفة عين”. فأي استحقاق يتكلمون عنه، استحقاق يورد النفس مورد الهلاك والشر. ويظن أن العيش لا يحتمل إلا بوجود معنى لحياته! فلسفة غربية اتفهم سبب نشؤها بالغرب وانتشارها واستغرب من محاولة الإنسان المسلم أن يطبقها على حياته.

معنى حياتك كمسلم أن تعبد الله وأن تعمر الأرض بما يرضي الله، قال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الصلاة والذكر وقراءة القرآن هي كل من يهم في يومك كمسلم وهي الأساس، وأن ترعى الله في أمورك الدنيوية كإنجاز مهني أو دراسي. وليس العكس، أي أن نجعل الإنجاز والاحتفاء به مقدم على الطاعات والصلاة والأذكار وفي الحديث الصحيح “من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ” وهذا ما يربى عليه النشء. أن دينه دين كامل، يعلمه ويؤدبه ويسن له أسلوب حياة متوافقه من فطرته. ما بين أوامر ونواهي وابتلاءات واختبارات حتى يلقى ربه. وكم من حمل سيسقط وراحة بال سيستأنس بها إن تعلم الإنسان حدوده وأدرك يقينًا سبب وجوده وعرف أولوياته وعاش وفقًا لذلك كله.

كل ما كتبت كان خلاصة بحث وتجربة وقراءة، ومحاولة مستمره لتربية وتهذيب نفسي. قرأت كثيراً في فلسفة معنى الحياة وأرشح كتاب الأستاذ عبدالله الوهيبي “معنى الحياة في العالم الحديث”.

ضياء وإنطفاء

تتبدل الأيام وتتبدل أحولنا معها نتقلب بين حماس مشتعل وإنطفاء تام. قرأت قبل فترة تغريدة يتسأل صاحبها عن حقيقة وجود ضوء آخر النفق؟ فكانت إجابتي أننا نترقب الضوء في مكان خاطيء، الضوء بداخلنا لا بآخر النفق. وأؤمن أنه تعبير حقيقي وليس مجازي، بداخل كلاً منا سراج يضي له عتم الليالي والأيام الكالحة.

طبيعي أن تمر أيام نشتعل فيها ضياءً ننهي قائمة المهام اليومية ونعرج على المهام المؤجلة، نشعر بأن يومنا رائع ولو كان مليء بالصعوبات، بل نراها تحديات تزيدنا حماس. نُبدع في رؤية النعم المحيطة بنا، نمتلي فيها ضياءً و نعكسه على من حولنا. ثم تمر علينا أيام لا نستطيع فيها إشعال السراج فضلا عن انطفائه في المقام الأول. تكون الأيام معها صعبة ثقيلة لا نرى شيء على حقيقته، لا نرى شيئاً أبداً كل ما حولنا غارق في عتمة الظلام.

عند الإنطفاء كنت أجزع من الوضع الذي صرت إليه، أحارب بكل قوتي لإشعال السراج مجددا فأصبح أنا الفتيل الذي يحترق. دائما تفشل محاولاتي وتتفتت كآخر قطعة من فتيل اعتاد الإشتعال. فتطول مدة إنطفائي وإن عدت تكون عودتي بحماس أقل. حتى صرت أرى بوضوح لحظات انطفائي وضيائي أراه أمامي كرسم بياني بين صعود وهبوط. لاحظته أول مرة عند تقليبي لمفكرتي في قسم المراجعة نهاية كل شهر ميلادي، وهو عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي تتكرر كل شهر. تعلمت أنه كلما اشتد بي الضياء لزمتني أيام إنطفاء بعده ثم تعاود الكره مرات عدة. تعلمت أن لا أجزع عند انطفائي ولا أحارب المشاعر التي تجتاحني وقتها مثل الخمول والكسل لأني اعلم أنها تمثل نقطة إنطلاق جديدة.

الخروج من هذة الأيام يتطلب منا شجاعة اختيار الإنطفاء، يقتضى الأمر أن نستسلم فقط، ولا يعد الاستسلام هنا هزيمة بل بداية لانتصارات كبرى ومواجهة أقوى. فلماذا نخاف من الإنطفاء؟ هي مرحلة نريح فيها المحرك، هي مرحلة التزود بالوقود، مرحلة اكتشاف الذات والإنغماس في ملذات خاصة. وقد يكون هذا حافز رائع لمن يريد أن ينطفي للمرة الأولى، اكتشف وقودك. اسأل نفسك مالذي يساعد على إشعال فتيلك مرة أخرى؟ والقاعدة الرائعة هنا أن لكل منا وقود مختلف لسراجه، قد يكون وقت تقضيه مع العائلة أو قراءة كتاب أو الرسم أو طبخة جديدة أو التنظيف أو أعمال يدوية. اسمح لنفسك بالإنطفاء، اكتشف ذاتك وانغمس في ملذاتك.

خمسة أشهر من العيش ببطء

في تدوينة هيفاء 7 مايو ذكرت مفردة «البطء» التي تفكر فيها كل يوم بشكل جديد فابتسمت على الفور لأني اخترتها لتمثل كلمة العام في مفكرتي أو ما يعني الطابع العام لهذة السنة. اخترتها بعد أن قرأت كتاب «في مديح البطء» والتي أوصت به بشدة نوال القصير وأشكرها على توصياتها الرائعة دائماً. اتذكر جيدا طريقتي في قراءة الكتاب لا أعلم أهو من تأثير العنوان عليّ حيث كنت أتناول مواضيعه ببطء ولذة عجيبة أنا التي كنت التهم الكتب التهاماً!

في فصول حياتي السابقة كنت أكثر انشغالاً وتشتتاً مني الآن، مع ذلك كنت استطيع تقريبًا السيطرة على قوائم مهام بقدر معقول. أما الآن بعد الأمومة أجاهد في السيطرة على قوائم مهام لا نهائية ومترامية الأطراف بكل المجالات ولا استطيع. أنا لا افتقر للإسترخاء لأني استقطع وقت لا بأس به عند نوم أطفالي ولكن المهام هي ما تؤرقني فما زال يعيش في داخلي ذلك الهاجس الغير مبرر لأنهائها كلها بسرعة وكأن موعد نهائي محدد لكل مهمة ماثل أمامي ويطاردني. حتى المهام التي استمتع بها مع الصغيرين مثل الاستحمام كنت اضعه في مفكرتي كمهمة يجب الانتهاء منها!

بعدما قرأت الكتاب ذهلت ببساطة الفلسفة التي يؤمن بها الكاتب أي فلسفة البطء. وشعرت باستاء لأني اطبق قانون التسارع على كل المهام، وشعرت باستياء أكثر لأني لا أتممها ثم لا أشعر بالرضا التام عن ما فعلت. شعور متواصل من تدني الإنتاجية وسوء التنظيم يطاردني كشبح. وهذا ما يحاول الكاتب أن يلفت نظرنا إليه ربط السرعة بالغضب.

هذا ما يقودنا إليه وسواس السرعة وتوفير الوقت. إلى الغضب في الطريق، والغضب في الأجواء، والغضب عند التسوق، والغضب في المكتب، والغضب في الإجازة، والغضب في صالة الرياضة. وبفضل السرعة، بتنا نعيش عصر الغضب.

في مديح البطء، كارل أونوريه

قررت الهدوء وإعادة كتابة قوائم المهام التي تطفو أمامي دائمًا وتشعرني بتدني إنتاجيتي لأني لم أتمها. وضعتها في قسم خاص بها آخر المفكرة كما أفعل بداية كل سنة عند اقنتائي مفكرة جديدة. خصصت بعضها لي وبعضها لزوجي وبعضها مهام مشتركة، نقوم بها سوياً أو يقوم بها شخص يكفي عن الآخر. المفارق في الموضوع أننا بدأنا بإنجاز هذة المهام هذة السنة مع أن هذة القوائم نفسها كانت تنتقل معي وتتضاعف على مدار السنوات السابقة. الاختلاف كان في فلسفتي في إنجاز المهام.

حين نخوض الحرب على عبادة السرعة، تكون خطوط القتال الأمامية داخل رؤوسنا. فسيظل التسارع الإعداد الإفتراضي حتى تتغير مواقفنا. علينا أن نتعمق أكثر. أن نغيّر الطريقة التفكير بها.

في مديح البطء، كارل أونوريه

حاولت أن افكر في الفلسفة الجديدة عند تحديد أهداف هذة السنة وكانت النتيجة مرضيه كأول محاولة للتغير. كما أن مخطط ال Passion Planner الذي ذكرته في تدوينتي السابقة ساعدني على تطبيق الفلسفة بسهولة. اعترف أنني فشلت في تحديد أحد هذة الأهداف ضمن فلسفة البطء وهو عدد الكتب التي أريد قراءتها هذة السنة. العدد كبير على الفلسفة الجديدة ولكن بعض الأمور تكون ضاربة في الجذور لا تتغير بسهولة. فلا بأس بالمرونة وبعض التنازلات.

في النهاية كشف الكاتب عن سر النجاج الذي تملكه حركة البطء، بأنها تروّج المتعة. أي أن مبدأ فلسفة البطء هو قضاء الوقت الكافي لإنجاز الأمور بالشكل الصحيح، وكذلك التمتع بها أكثر. وهذا ما لمسته واقعاً هذة السنة، فمع انقضاء خمسة أشهر من هذة السنة استطيع أن أجزم أنها فلسفة رائعة. فمعظم الأهداف أُنجزت، كما أنني استمتعت بالرحلة. والمؤشر الرائع لنجاحها هو اختفاء مؤقت العد التنازلي الذي كان ماثل أمامي طوال الوقت جنبا لجنب مع قوائم المهام اللامنتهية.

تولستوي والعلاج المعرفي السلوكي

عند الحديث عن العلاج النفسي والذي أصبح أمر غير مستغرب في الآونة الآخيرة -بل ويتصدرقوائم عنواين البودكاستات المختلفة- لطالما لفت انتباهي مصطلح “العلاج المعرفي السلوكي” لأنه علاج بدون المخاطرة، ظننت أنه آمن وسهل وما أجهلني. أردت بشدة الخوض فيه وتجربته ولكن لماذا نفتح الأبواب المغلقة ونحن لسنا بحاجه لذلك. فقررت الاطلاع عليها من باب الاطلاع فقط والسبيل إليه كان كتاب “العقل قبل المزاج” وذلك حين تحدثت عنه ممن أثق في حكمهن فقررت اعطاء هذا الكتاب فرصة. قبل اسبوعين اختلقت عذر للطلب من جرير كعادتي لأستطيع أن اطلب ما أريد من الكتب، وهذة حيله اعتدت عليها في صغري حتى اقنعهم بالذهاب وشراء ما أريد ولم استطع أن اتخلص منها حتى الآن. وكان كتاب “العقل قبل المزاج” من ضمن هذة الكتب.

لم أجرب من قبل قراءة هذا النوع من الكتب ولا حتى طريقة القراءة المقترحة له، فالكاتب يقترح أن نقرأ ما نحتاج فقط من الكتاب وأن نقرأه على مهل ولا ننتقل للأجزاء الأخرى حتى نتأكد من إتمامنا للمهارة المطلوبة. أنهيت الكتاب خلال أسبوعين تقريباً وأراها سريعة جداَ على الكتاب حيث يقترح الكاتب تحديد ما نود علاجه وتطبيق المهارات عليه حتى يتم العلاج تماماً والذي بدوره يستغرق وقت طويل من الزمن. فقررت أن أقر كل الكتاب وعند التطبيق أعود للأجزاء التي احتاج فيها للكتابة ونقل ما احتاجه من جداول إلى مذكرتي للحفاظ على خصوصيتي. اعلم أن تطبيق التمارين في الكتاب يتطلب عزيمة وصبر واجتهاد لإنهائه لأنه علاج، والعلاج نصبرعلى مرارته لنتذوق حلاوة الصحة الجسدية والنفسية في هذة الحالة.

بشكل عام وبصوره سريعة الكتاب يعالج الأفكار التي تؤثر في حالتنا المزاجية، يقترح استخدام سجل الأفكار لمساعدتنا على فهم لماذا أصابتنا في هذة الحالة المزاجية من فكرة معينه ويساعدنا على إيجاد بديل للفكرة وأراه حل رائع ومناسب إذا أردنا معالجة أمر طارئ وموقف حدث للتو. ولكن أكثر ما أعجبني هو البحث في الافتراضات الدفينة والقناعات الجوهرية ومعالجتها ومن ثم وضع الخطط البديلة وتنفيذها ويقدم أدوات لتقييم التقدم. سأحاول الالتزام بهذة الخطة قدر المستطاع وربما اكتب تدوينة مستقبلاً عن النتائج.

لا أستطيع إنكار فضل الكتاب في مساعدتي على كسر قاعدة القراءة لدي، والتي تلزمني بقراءة ما بين يدي حتى أنهيه وقراءة كتاب واحد فقط. كنت أتمنى أنني استطيع كسر القاعدة وحققه لي الكتاب خصوصًا أنني قراءته بعد ما أنهيت الحرب والسلم وأصابتني تخمه لا أعلم علتها. هل هو تولتسوي؟ هل هي الأجزاء الأربعة؟ هل هي عدم قدرتي على التجول خارج أسوار موسكو وقصورها؟ أم أن كل هذا اجتمع مع قاعدتني في القراءة. كل ما اعلمه أنني توقفت عن القراءة لمدة شهر أو يزيد وأنني أحاول الحبو إليها من جديد.