
مر أسبوع على وفاتك! وأنا ثابته عند لحظة الفقد الأولى. اللحظة التي علمت فيها أنك لست في هذة الدنيا. لم تكن لحظة عادية، فقدت فيها الحياة لونها ولم تستعده حتى الآن. تبدو اللحظات بعدها بطيئة وغير منطقية. تمر الأيام كما هي! تشرق الشمس في ميعادها وتغرب في نفس الميعاد كما كانت سابقاً. يخرج الناس لأعمالهم كأن شيئاً لم يكن. لم تتوقف الدنيا للحظة! اعرف هذا من قبل ولكنه الآن يبدو في غاية الجنون.
لم يبلغني أحد بخبر رحيلك، قرأته في وجيههم قبل أن ينطقوه. رأيتهم فقط وبدأت أصرخ باسمك بأعلى صوتي. غاب كل شيء حولي. كنت احاول أن أراى أي إشارة منهم لنفي الخبر ولكنه قد وقع. هل حقًا يا حبيبتي ما حدث؟ فقدت صوتي بعدها، حاولت أن اسألهم متى كان؟ لكن حبالي الصوتية إنهارت كجزء من عالمي الذي تهاوى قبل لحظات، لم يخرج مني سوى وشوشة سمعوها بصعوبه.
بكيت، بكيت كثيرًا. طلبت منهم الذهاب لمنزلك الذي أحب، ولأول مرة يتوجس قلبي من دخوله. لكن خطواتي كانت تتسابق كنت افتش عن أي علامة تكذب الخبر. لم أجد! كان بيتك مزدحم و رأيتهم كلهم؛ رأيت أناس لم أرهم في حياتي و رأيت أناس لم أرهم منذ مدة ولكني لم أراك فيه! كنت أفتش عنك في وجوة أحبتك، أتلمس أسلوبك ونبرة صوتك. لم أجدك! كنت استثنائية ومختلفة، أشعر بالأسى لكل من لم يعرفك.
هل تعلمين يا حبيبتي، أجزم أنهم لا يعلمون مالذي فقدته برحيلك. كانوا يطلبون مني الهدوء و “لا تزيدين على أهلها” ولكني كنت أنا من أهلها! أنا أخصها وهي تخصني. عزائي أن أهلك يعرفون وأنت يا حبيبتي بالتأكيد تعرفين.
لا تزال كلمات المعزيين تتردد في أذني. “شهيدة بإذن الله” “المبطون شهيد، هي الحظيظة الحين ارتاحت من الدنيا وشقاها” “كانت تعبانة جداً موتها رحمه لها بإذن الله” “هذا طريقنا كلنا حنا ماشين عليه هي بس سبقتنا” “أهل البلاء يكونون في منزلة عظيمة يوم القيامة لدرجة إن الناس إذا شافوهم يتمنون إنهم قرضوا بمقاريض” “مكتوب عليها من كانت في بطن أمها” “هذا يومها وما أحد راح يتعدى يومه” “وين أهلنا اللي قبل كلهم راحوا” كنت اسمعهم فقط، أنا اعلم كل هذا، اعلمه! أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره. اسمع التعزيات وأؤمن بمواساتها ولكن عقلي يعجز أن يستوعب أن هذة التعزيات عنك أنتِ.
هل تحفظين السر؟ أنا لم أستوعب رحيلك حتى الآن. اكتب هذة الرسالة بدموعي. عقلي يؤمن باستحالة وصولها لكن قلبي يأبى التصديق. كيف لا وإنتِ الوحيدة التي تعلمين بأمر مدونتي هذة! أتلمس رحمة الله في ذلك لأن بدونها قد افقد عقلي تمامًا.
هل تذكرين ما اخبرتني به بعد معرفتك بمرضك في أول سنة؟ كنت تحاولين تجنب الاجتماعات العائلية اعتقادًا منك أن حُزننا عليك بعد رحيلك سيكون أخف! هل تذكرين ضحكنا على فكرتك تلك! كنت وقتها أشعر بجنونك! لم أكن اتخيل أني سأفقدك أبدًأ. كنت قوية ومؤمنة وراضية فخيل لي أنك لن تموتي أبدًا، لكنك كنت تذبلين كشجرة! كشمعة تنطفي ببطء! لم أكن اعرف.
قريبتي الحبيبة وصديقتي في كل مراحل عمري، صديقة الطفولة والمراهقة والشباب وكم كنت أتمنى أن ترافقيني بالمشيب. كنت فارقه في كل شيء ترين الدنيا من حيث لا أراها، لك منظورك المختلف في كل المواضيع. كنت صديقه الفكر الوحيدة لدى، رحلتي وظللت أنا وفكري حائرين.










