أرشيف التصنيف: غير مصنف

عزيزتي رَ – رسائل لن تصل (1)

مر أسبوع على وفاتك! وأنا ثابته عند لحظة الفقد الأولى. اللحظة التي علمت فيها أنك لست في هذة الدنيا. لم تكن لحظة عادية، فقدت فيها الحياة لونها ولم تستعده حتى الآن. تبدو اللحظات بعدها بطيئة وغير منطقية. تمر الأيام كما هي! تشرق الشمس في ميعادها وتغرب في نفس الميعاد كما كانت سابقاً. يخرج الناس لأعمالهم كأن شيئاً لم يكن. لم تتوقف الدنيا للحظة! اعرف هذا من قبل ولكنه الآن يبدو في غاية الجنون.

لم يبلغني أحد بخبر رحيلك، قرأته في وجيههم قبل أن ينطقوه. رأيتهم فقط وبدأت أصرخ باسمك بأعلى صوتي. غاب كل شيء حولي. كنت احاول أن أراى أي إشارة منهم لنفي الخبر ولكنه قد وقع. هل حقًا يا حبيبتي ما حدث؟ فقدت صوتي بعدها، حاولت أن اسألهم متى كان؟ لكن حبالي الصوتية إنهارت كجزء من عالمي الذي تهاوى قبل لحظات، لم يخرج مني سوى وشوشة سمعوها بصعوبه.

بكيت، بكيت كثيرًا. طلبت منهم الذهاب لمنزلك الذي أحب، ولأول مرة يتوجس قلبي من دخوله. لكن خطواتي كانت تتسابق كنت افتش عن أي علامة تكذب الخبر. لم أجد! كان بيتك مزدحم و رأيتهم كلهم؛ رأيت أناس لم أرهم في حياتي و رأيت أناس لم أرهم منذ مدة ولكني لم أراك فيه! كنت أفتش عنك في وجوة أحبتك، أتلمس أسلوبك ونبرة صوتك. لم أجدك! كنت استثنائية ومختلفة، أشعر بالأسى لكل من لم يعرفك.

هل تعلمين يا حبيبتي، أجزم أنهم لا يعلمون مالذي فقدته برحيلك. كانوا يطلبون مني الهدوء و “لا تزيدين على أهلها” ولكني كنت أنا من أهلها! أنا أخصها وهي تخصني. عزائي أن أهلك يعرفون وأنت يا حبيبتي بالتأكيد تعرفين.

لا تزال كلمات المعزيين تتردد في أذني. “شهيدة بإذن الله” “المبطون شهيد، هي الحظيظة الحين ارتاحت من الدنيا وشقاها” “كانت تعبانة جداً موتها رحمه لها بإذن الله” “هذا طريقنا كلنا حنا ماشين عليه هي بس سبقتنا” “أهل البلاء يكونون في منزلة عظيمة يوم القيامة لدرجة إن الناس إذا شافوهم يتمنون إنهم قرضوا بمقاريض” “مكتوب عليها من كانت في بطن أمها” “هذا يومها وما أحد راح يتعدى يومه” “وين أهلنا اللي قبل كلهم راحوا” كنت اسمعهم فقط، أنا اعلم كل هذا، اعلمه! أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره. اسمع التعزيات وأؤمن بمواساتها ولكن عقلي يعجز أن يستوعب أن هذة التعزيات عنك أنتِ.

هل تحفظين السر؟ أنا لم أستوعب رحيلك حتى الآن. اكتب هذة الرسالة بدموعي. عقلي يؤمن باستحالة وصولها لكن قلبي يأبى التصديق. كيف لا وإنتِ الوحيدة التي تعلمين بأمر مدونتي هذة! أتلمس رحمة الله في ذلك لأن بدونها قد افقد عقلي تمامًا.

هل تذكرين ما اخبرتني به بعد معرفتك بمرضك في أول سنة؟ كنت تحاولين تجنب الاجتماعات العائلية اعتقادًا منك أن حُزننا عليك بعد رحيلك سيكون أخف! هل تذكرين ضحكنا على فكرتك تلك! كنت وقتها أشعر بجنونك! لم أكن اتخيل أني سأفقدك أبدًأ. كنت قوية ومؤمنة وراضية فخيل لي أنك لن تموتي أبدًا، لكنك كنت تذبلين كشجرة! كشمعة تنطفي ببطء! لم أكن اعرف.

قريبتي الحبيبة وصديقتي في كل مراحل عمري، صديقة الطفولة والمراهقة والشباب وكم كنت أتمنى أن ترافقيني بالمشيب. كنت فارقه في كل شيء ترين الدنيا من حيث لا أراها، لك منظورك المختلف في كل المواضيع. كنت صديقه الفكر الوحيدة لدى، رحلتي وظللت أنا وفكري حائرين.

تأملات في رواية نعاس لـ هاروكي موراكامي

بعد كتابة تدوينتي السابقة فكرت كثيراً في كتاب قراءته قبل سنتين وهو رواية “نعاس” للكاتب هاروكي موراكامي. اتذكر عند البدء بقرائتها لم أجد فيها ما يجذبني حقاً. وقعت عليها صدفة وكنت أنوي منذ زمن البدء بقراءة روايات الكاتب الياباني الشهير. وكانت النعاس أول مصافحه بيننا. الكتاب صغير جداً لا يتجاوز ال 90 صفحة قرأته في جلسة واحدة، ولم يكن حجم الكتاب السبب الوحيد لذلك. اندمجت مع الشخصية الرئيسية التي فقدت القدرة على النوم بشكل مفاجئ. كنت مشدوهه بتلك الفكرة وفكرة القدرة على استغلال جميع ثواني حياتك لفعل ما تريد. حتى وصلت نهاية الكتاب وأظن أنني استطعت أن افهم رمزية الرواية.

اتذكربعد أن أنهيتها توجهت مباشرة إلى تطبيق قودريدز على هاتفي لكتابة مراجعة* عن الكتاب. كنت أتمنى أن أوصل أفكاري ومشاعري في تلك اللحظة وكانت هذة المراجعة:

لعلي وجدت روايتي المفضلة!

على مدى سنوات قراءاتي كلها لم تمسني رواية بشكل شخصي كما مستني هذة الرواية ❤️ ولعلي وجدت سبب لمحبي هاروكي موراكامي.


هنا في النعاس الأمر أعمق بكثير من امرأة فقدت النعاس والقدرة على النوم. هنا في النعاس وجدت امرأة اختارت طريق الأمومة والزواج وانغمست في مسؤولياتهم إلى أن نست نفسها في سبيل نجاح وراحة أسرتها الصغيرة. ولكنها حافظت ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بحب قبل أن تلتزم بتلك المسؤوليات. فساعدتها الرياضة في إعادة الصلة بنفسها القديمة. وهذا دليل مهم على أن الشخص الذي رأته في الكابوس وكان السبب في فقدها القدرة على النوم كان بالحقيقة هي نفسها. ولمن لم يقرأ الرواية، البطلة قد رأت في الحلم أن “عجوزًا يرتدي لبس رياضي” يسكب عليها ماء لا ينضب من إناءه الفخاري. والماء هنا هو رمزية للوقت الذي زاد بأيامها واتسعت فيه حياتها عندما فقدت القدرة على النوم فاستفادت من كل تلك الساعات المهدرة بالنوم. وقد ذكر هاروكي في الرواية منام صديقتها التي فسرته بالقلق ونلاحظ وجود “العجوز” كدلالة به على صاحب المنام .

ولعلي هنا أميل إلى أن النعاس والنوم لم يكن الوضع الفسيولوجي الطبيعي، بل كانت غفلة تعيشها البطلة ثم تنبهت منها بعد الكابوس. اتسعت حياتها وأعطت نفسها حقها وأحبتها وقد ذكرت ذلك البطلة في الكتاب. فالأم في وقت من الأوقات قد تفقد نفسها بكثرة المسؤوليات وبتقديم أفراد عائلتها على نفسها. في الرواية وبعد اتساع حياة البطلة واكتسابها الوقت الذي كانت تقضية في النوم لممارسة ما تحب، لم تتأثر مسؤولياتها كأم وزوجة في بداية الأمر. لم يتغير شيء. لكن فقدان النعاس وفقدان القدرة على النوم هو أمر غير طبيعي، ففي النهاية تمكن منها النعاس واستسلمت له. وذلك بعد أن جلست في سيارتها وحيدة ثم قام شخصان بهز السيارة حتى وقعت في النوم. هنا ربطت بين الشخصين ومسؤولياتها كأم وزوجة. أي أن هذة المسؤوليات تمكنت من هز كيانها كامرأة مثلما هز الشخصان السيارة مما أدى إلى عودتها تدريجيًا إلى النعاس والغفوة. الجدير بالذكر أن البطلة كانت تقاوم وبذلت الأسباب كيلا تنام ثم استسلمت في الأخير.

قرأت هذا الكتاب وخرجت منه بهذة النظرة وأنا أرى أن الأمومة والتربية من أمتع وأصعب المسؤوليات التي التزمت بها في حياتي. قولي أن الرواية مستني بشكل شخصي لا أعني به نظرة سلبية عن الزواج والأمومة.على العكس تماماً فأنا أرى أن الحنين إلى نفسك القديمة هو تطور طبيعي ولحظة إدراك من الأم بطبيعة المسؤوليات الجديدة الملقاه على عاتقها. بالمناسبة أنت تتعلم إدارة هذة المسؤوليات بالخبرة. بدون خبرة أنت لا تملك أي فكرة عما يحدث حولك مهما كنت مستعدًا قبل ولادة طفلك، مما يضاعف شعور التية والقلق. اذكر عند كتابة هذة التدوينة كانت ابنتي تتم عامها الأول وكنت أمر بلحظة التية هذة.

لذلك عزيزتي الأم الجديدة التائهة لا تقلقي.

__________________________________________

* قمت ببعض التعديلات لتناسب من لم يقرأ الرواية.

بين الشجر والجبل أجد نفسي

عندما يخرج المرء عن مساره وتتشتت أفكاره يلجأ إلى من يعيده للمسار ومن ينفض عنه تراكمات الأيام، أنا تعيدني الشجرة. في مقعدي داخل حديقتي بين أشجاري، يبدأ يخفت ضجيج الأفكار رويدا ًرويداً حتى يختفي. افرغ عقلي وقلبي من كل شيء احيط نفسي بألوان وأشكال الطبيعة حتى اصبح جزءًا منها، خضار الأشجار يحيط بي تتخلله أشعة الشمس الدافئة ويُكمل المشهد لون السماء الصافية. لا توجد كلمات لوصف ما اشعر به في تلك الأثناء لأن واقع تلك اللحظات مفرع تماماً من كل شيء. سكون وهدوء وطمأنينة، فيها يتوقف التسارع المجنون للأيام وتختفي قوائم مهام ممتده لأشهر. يقول موريس ميترلينك:

الأشجار هي الغاية الأساسية التي تمنح المتجول منا القدرة اللازمة على الصمود في وجه الحياة، وهي ما تمنحه الشجاعة، والحيوية، والرزانة والنصر الصامت والمثابرة.

ذكاء الأزهار – موريس ميترلينك

يقصد موريس ميترلينك حياة الشجرة كلها، أن يتدبر اللإنسان في نموها وطريقة تكيفها مع بيئتها وغيره من الحقائق المذهلة عن عالم النبات. يحثنا أن نتعلم ونكتشف ما سبقتنا إليه المخلوقات الحية التي سبقت وجودنا. فهو يؤمن أن كل الموجودات من أدوات وتصاميم اخترعها الإنسان هي في الأصل مؤخوذة من النباتات أو الحيوانات. أما أنا فأميل إلى الجانب الحالم هنا، وجود الشجر بحد ذاته يبعث كل هذا الشعور ويحثنا على عبادة التأمل في صنع الخالق تبارك وتعالى. فأنا أحيط نفسي بالأشجار الداخلية والخارجية.

اؤمن بتأثير الطبيعة على الأشخاص من مختلف البيئات، طبيعة مدينتي الأم جبلية كبرت وأنا انظر للجبل في كل حين. عند التنزة و عند التنقل داخل المدينة بل حتى من بيتي أراه شامخاً كل وقت. لذلك كان الانتقال إلى مدينة كبيرة خالية من الجبال أمر مربك في البداية. كنت لا أولي الأمر أهمية حتى قرأت أن هاروكي يخالجه نفس الشعور عند افتقاده الماء. اذكر في الفترة التي رافقت بداية انتقالي سألني شخص مقرب كيف لك أن تعيشي لفترة طويلة دون رؤية جبال؟ دهشت من السؤال لأني لم افكر بالأمر على هذا النحو أبداً. ما الذي سيتغير في حياتي بفقداني منظر الجبال المحيطة بمدينتي؟ هل المفقود هو الألفة التي صاحبتنا في نشأتنا؟ أم أنها الشعورالذي يبعثه المنظر المهيب لتلك التراكمات الحجرية الراسية؟ ما ماهية الشيء الذي يرشح مني أنا وهاروكي؟

رؤية كثير من الماء مثل هذا كل يوم هي بلا شك أمر مهم … لشخص واحد: أنا. فإن مر علي وقت دون رؤية الماء أشعر أن شيئاً يرشح مني ببطء. … وربما كان لنشأتي قرب البحر علاقة بذلك.

ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري – هاروكي موراكامي

قالت لي صديقتي عن تجربة القيادة في مدينتنا الأم، أن الجبال تشعرها دائماً أن هنالك مفاجأة سارة خلفها. تشبة قيادتها ورؤيتها للجبال أمامها في حياتها فهي تسعى جاهدة فيها دون توقف وتردد سوف أمضي قدماً حتى أبلغ هذا الجبل وأرى ما خلفه. أما أنا فلا انظر إليه بأنه نقطة بلوغ أو وصول لهدف أراه آمان يحيط بنا وثبات يحث عزيمتنا.

ومن منطلق بنت الجبل فأنا لا أشعر بتأثير البحر الذي أقرأ واسمع عنه، فهو يثير في نفسي القليل من الهدوء والكثير من الخوف. لذلك فكرة الذهاب في رحلة كروز أمر لا استطيعه لأنني اعلم أن معظم الوقت سأكون في حالة تأهب وخوف. قد يكون السبب هو الاختلاف الجوهري بين الجبل والبحر، فالجبل ثابت على مدار آلاف السنين بينما البحر لا يؤتمن في تقلباته وأمواجه فهو اليوم ليس كالبارحة. كنت قد أنهيت قبل عدة أسابيع كتاب دموع الملح لبيترو بارتولو و ليديا تيلوتا مما أكد لي سبب خوفي من البحر، البحر في قصص الطبيب كان بوابة أمل مواربة. قد تفتح لك على مصراعيها وتنتشلك من جوع وموت وتنقلك إلى عالم آخر وقد تنغلق عليك وتبتلعك وترسلك إلى العالم الآخر، أو أسوأ من ذلك قد تبتلع كل فرد من عائلتك أمامك وتقذف بك وحيداً خارجها.

وقد يكون الاختلاف الذي فرق بين البحر والجبل هو المتشابهة بين الشجر والجبل مما وضعهما في مكانة متساوية عندي. فثبات الشجر مشابهة لثبات الجبل وإن تغيرت أحوالها خلال السنة فتغيراتها معروفه بل منتظره. وقد يكون هذا ما ابحث عنه في الجبال والأشجار عند خروجي عن المسار، لأن في تلك الأثناء اكون قد فقدت عنصر الثبات في حياتي فأسعى إلى ثبات من نوع آخر. أسعى إلى أن أعود إلى بعد فيزيائي ثابت أتيته في مختلف أحوالي ووجدته كما هو.

ماذا عنكم؟ ما هو عنصر الثبات في حياتكم؟

ما العلاقة بين عودة النشرات البريدية وزيادة الأصنام؟

قرأت قبل فترة عن ازدياد عدد مستخدمي التواصل الاجتماعي الذين يفضلون المشاهدة بدلاً من العرض -الأصنام-. وقد رُشحت عدة أسباب لذلك منها اتقاء تنمر المجهولين واستحالت المحتوى المعروض إلى محتوى “مصنع” مما أفقد وسائل التواصل الاجتماعي طابعها العفوي. كما أن استخدامنا لهذة المنصات لأكثر من عقد من الزمن أثبت لنا حقيقة نعرفها جميعاً عدا أننا لم نتخيل عواقبها وهي حقيقة أن الانترنت لا ينسى. وأن تأثير غياب الهوية الحقيقية قد يحول الشخص إلى كومة شر متقده.

كما أن الخوارزميات التي تستخدمها هذة البرامج مثل تيك توك وfor you في تطبيق X و Reels في انستقرام و shorts في يوتيوب جميعها تعتمد على جذب المستخدم لأطول وقت ممكن. أي انها تركز على استهداف المستخدم كمشاهد أكثر من استهدافه كعارض. وعيب هذة الخوارزميات أنها تجلب لك الغث والسمين، تتيح لك تخيل أن لديك السيطرة ولو بشكل جزئي على ما يتم عرضه عليك من خلال الضغط على خيار “غير مهتم” لكن الحقيقة مختلفة تماماً. ينجذب إليها الشخص في البداية ثم ينتهي به المطاف إلى تخمه معرفية قمامية للأسف. وتكمن الخطورة هنا أن الشخص في الغالب سيأخذ هذة المعلومات كمسلمات بدون تعريضها لمصفاته النقدية. ومع مرور الوقت تهتز القاعدة المعرفية التي يرجع إليها عند الحكم على الأشياء، تبعاً لقاعدة المألوف التي شرحها الدكتور محمد الحاجي في بودكاست آدم. يرعبني تخيل ما الذي سيحدث لأولادنا مع تعرضهم المستمر لمجموعة من العروض التي لا تتناسب مع ديننا ولا قيمنا الاسلامية والمجتمعية، أنى لهم قاعدة ينطلقون منها عند نقدهم لأفكار جديدة؟ كما يرعبني التفكير فينا نحن كمقدمي رعاية لهم في المقام الأول. كيف دُرب فكرنا ليكون مناسب لطبيعة هذة المنصات، سطحي وسريع.

الفطن هنا من ينتبه لنفسه ويراجع مصادره المعرفية لأنها ستكون أول ما يخرج من فمه عندما يتحدث. منذ بداية وسائل التواصل الاجتماعي احرص على القيام بـ”ديتوكس” منها بعد مدة معينة، لأني كنت أعي ما تحدثه في نفسي. أحرص على تصفية المتابعين كلما أحسست أن الزمام قد انفرط وبدأ يصدر مني ما لا أرتضيه عن نفسي. أُرجع الأمر دائما إلى ما أشاهد وما أقرأ. من الحلول المقترحة تخصيص وقت معين لتطبيقات التواصل الاجتماعي، أي ربطها ببعض عاداتك اليومية لكيلا تكون أول ما تفعله عند فراغك لأنك ستضطر إلى تركها عند الانتهاء مما تفعل بعكس حالة الفراغ التي قد تفقد معها الشعور بالوقت. ساعدتني ميزة App Limits في تحديد وقت للتطبيقات، صحيح أنه من السهل تجاوزها ولكنها تعطي إشعار بتجاوزك الحد مما يضفي شعور من الضغط وعدم الراحة أثناء تصفحك. الجدير بالذكر أن الدراسات تؤكد أن أقصى مدة للتعرض السليم للانترنت بكل وسائلة هي 30 دقيقة في اليوم! أي مدة تتجاوزها تعتبر تهديد صريح لسلامتنا النفسية.

لكن السؤال هنا في خضم كل هذة الوسائل التي تعطي الانسان الرقمي إحساس زائف بالانشغال والتخمة المعرفية، ما سبب رواج النشرات البريدية من جديد؟ وهل خطورتها مثل خطورة وسائل التواصل الاجتماعي؟

  • طريقة العرض

لم يكتفي الانسان الرقمي بكون المحتوى يعرض عليه تباعاً دون أدنى مجهود لاختياره بل بعضهم يُطالب بحل “مشكلة” التنقل بين المقاطع -أي سحبها لأعلى- لأنه يؤمن أن هذا جهداً لا يستطيعه، وأيده الكثيرون! وهذة أحد الميزات في النشرات البريدية، تكون محددة الفقرات أو ذات فقرة واحدة قصيرة مما يسهل على المستخدم قراءة محتوى منوع دون الحاجة الفعلية بالتنقل بين الفقرات.

  • عودة الصنم

كان الصنم في بداية التواصل الاجتماعي وصمة عار لا يرضاها المستخدم عن نفسه، ارتبطت دائما بالمراقب الخفي. ومع التحولات الكثيرة التي طرأت على هذة الوسائل اختلف معها تعريف الصنم. فبات هو المشاهد الذي يحرص العارض أو صانع المحتوى على جذب اهتمامه لنمو أرباحه. ومع ازدياد أعدادهم أتت النشرات البريدية مثالية تماماً لهذا النوع من المستخدمين، كل ما عليه فعله هو الاشتراك أو إلغاء الاشتراك في هذة النشرات.

  • التلهف والانتظار

النشرة البريدية تحقق لنا التلهف والانتظار للمحتوى المقروء الذي فقدناه. على العكس من ذلك، للمحتوى المرئي والمسموع قنواته التي ما زالت تعطي هذا الإحساس. مثل البودكاست واليوتيوب وغيرها من القنوات التي تعرض المحتوى في أوقات محددة.

  • المحتوى

النشرة البريدية تخرجنا من فقاعة المعلومات التي تحاصرنا فيها خوازميات وسائل التواصل الحالية. نشترك في نشرة بريدية مختصه في محتوى نحبه ونعلم أننا سنجد فيه ما نحب وما نكره، ما يعجبنا وما لا يعجبنا، أي سنجد التنوع الطبيعي للأفكار.

لذلك أراهن عليها وعلى المدونات -بعد الله- في أن تعيد للإنسان الرقمي قدرته على النفس الطويل للغوص في أعماق الكتب.

هل قراءة الكتب هروب حقيقي أم مبالغة قارئ محب؟

لم تكن لي القراءة يوماً عملاً سهلاً فأنا أجهز نفسي للقراءة كل مرة، أحدد وقت خاص لها لكن بدون طقوس فأنا لا اشرب الشاي أو القهوة وأنا أقرأ ولا اختار مكان محدد. هي فقط مهمة أحب أن أنجزها أياً كان ما أقرأ سواءً عند قراءتي الأكاديمية أو قراءتي الحرة. مع ذلك فقد تعرضت في كثير من الأحيان لحبسة القارئ. أطول مدة توقفت فيها عن القراءة كانت بعد زواجي مباشرة امتدت لسنة كاملة إلا بعض الكتب البسيطة. لذا عندما يصور أحداً كتابه في شهر العسل أرى أنه ضرباً من جنون لا افهمه. كما كنت إلى وقت قريب لا افهم من يقرأ ليهرب حتى اضطررت لذلك في السنة الماضية واستمر معي حتى اليوم.

عندما اتعرض لضغوطات كثيرة لا استطيع فصل نفسي عنها بل أُملأُ بها حتى أفيض منها. أُمسك الكتاب وأقرأ سطور لا افهم منها شيء أرى واقعي يتشكل أمامي ويخنقني. كنت لا اعلم كيف استخدم القراءة للهروب حتى حوصرت -فيزيائياً- في طريق سفر طويل فما كان مني إلا أن اخرجت كتاباً من شنطتي وشرعت في قراءته. اذكر تلك اللحظة تماماً استعرضها أمامي الآن بامتنان صادق لأنها فتحت لي باب القراءة للهرب. أُلغي كل ما حولي ومن حولي انغمست في الكتاب تماماً. لذلك أنا مدينه لهذا الموقف ما حييت لأني ما لبثت أن استخدمت هذة الحيلة الرائعة معظم الوقت. لقد اكتشفت السر!

من حساب الأستاذ عبدالله الوهيبي في انستقرام

وهذا لأن القراءة للهروب تصدق معها نية القارئ على التركيز التام مع المادة المقروءة فتنشط مناطق من الدماغ تتوافق مع ما تقرأه من مشاعر وأفكار. مما يحقق لك الاندماج مع ما تقرأ والانفصال عن واقعك أي هروبك منه. وهذا نتيجة دراسة أجريت في القرن الثامن عشر لعالمة أدب ومجموعة من علماء الأعصاب قرأتها سابقاً في كتاب أيها القارئ: عُد إلى وطنك لماريان وولف. الجدير بالذكر هنا أن القراءة في هذة الدراسة كانت تشمل القراءة “عن كثب” والقراءة للتسلية فقط. لذا هروبك مثبت علمياً بأنه حقيقي وليس مبالغة محبين القراءة. فعند تركيزك تشعر بكل ما تقرأ مثل أن تنشط المنطقة المسؤولة عن الملمس عند قراءة استعارات عن الملمس وكذلك نشاط الخلايا العصبية الحركية عند القراءة عن الحركة كما جاء بالدراسة. في المرة القادمة عند التقاطك لكتاب ما حاول أن تستحضر تركيزك التام وراقب ما يحدث.

مع أن الضغوط لا تتلاشى بكتاب جميل لكن من المريح أن يكون مفتاح الهروب في جيبك دائماً. وهنا تبرز أهمية الكتاب الالكتروني أكثر من الورقي، إذ قد تضطر أحياناً لعزلة بين مجموعة من الأشخاص يثير فضولهم دائما منظر الكتاب الورقي ويبدأون في طرح اسئلة تعيدك لواقعك وتقطع تركيزك. الكتاب الالكتروني يوفر عليك عناء الإجابات على هذة الأسئلة. كما أن الانشغلال بالهاتف يكون مقبولاً في بعض السيناريوات أكثر من إنشغالك بالكتاب ذلك لأن من الممكن أن يستخدم أحداً هاتفه من وقت لآخر على العكس من ذلك من النادر أن يخرج أحداً كتابه فجأة لتصفحه. هذة بعض الكتب التي قد تتوفر نسخ الكترونية لها مناسبة للهروب:

بصحبة ايزابيل وفاطمه وماثيو ومحمد

لم أنهي تحدي القراءة هذا العام، وضعت رقماً لا بأس به مقارنة بقراءاتي العام المنصرم ووضعت خطة جيدة لتحقيق الهدف. ولكني بدأت السنة برواية الحرب والسلم ثم تبعتها برواية الدرويش والموت مما أدى إلى تشبعي لفترة من الزمن، ثم توقفي عن القراءة إلا في بعض الأوقات. الآن أرى مكتبتي المليئة بالكتب أمامي ولكن رغبتي في التقاط احدها والبدء فيه معدومه. في العادة عند حدوث أمر مماثل أقرأ روايات لتُحسن مرونتي ثم اشرع بقراءة الكتب الثقيلة نسبياً -بما يناسب مستواي القرائي- لكن هذة المرة من أشبعني هي الروايات نفسها. افكر أن اخرج من هذا التوقف بقراءة مجموعة قصص قصيرة لغسان كنفاني بنسخة PDF على هاتفي الذي بدأت أميل أنه السبب الحقيقي وراء هذا الهبوط في الإنجاز. افكر بالقراءة على أنها هروب من الواقع والتقاط ما يمكن التقاطه لتحسين جوانب حياتي، عندما بدأت استخدام هاتفي للقراءة افتقدت هذا الهروب. فأنا أُمسك واقعي -الافتراضي- بيدي مما يعني أن التواصل مفتوح. لذا الخطوة الأولى ستكون العودة إلى الكندل.

جربت بالأمس أن اخرج من البيت بدون انترنت، كانت تجربة جميلة لم اشعر بالممل بالطبع لأنني برفقه أطفالي مع أن وقت الانتظار كان طويلاً. أفتقد هذا الشعور بين فترة وأخرى فأنا متصله بالانترنت على مدار اليوم، حتى أثناء عملي لبعض الأنشطة مثل الطبخ أو المشي أو التسوق الإلكتروني. اشتركت في يوتيوب بريميوم ليتسنى لي تشغيل المقاطع الصوتية في الخلفية. أصبحت أول خطوة بديهية لأي شيء أريد عمله هي أن ابحث عن مقطع صوتي طوله يتناسب تقريباً مع ذلك النشاط. أريد أن أقنن من هذة العادة قدر المستطاع لأدع “مخي يتنفس” أشعر به يختنق بكم هائل من المعلومات التي لا يحتاجها. لكن لا أخفي أنني استمتع ببعض الحلقات وأعيد الاستماع لها أكثر من مرة، سأضع قائمة بهذة الحلقات في نهاية التدوينة.

وبالعودة للقراءة فقد ارتبطت هذة السنة بما قرأت أكثر من السنوات السابقة، اعتقد لأن نقل الألم والمعناة هو الطابع السائد لهذة الكتب. مثل باولا لايزابيل اللندي و أنا قادم أيها الضوء لمحمد أبو الغيط و أقفاص فارغة لفاطمة قنديل و كتاب ماثيو بيري -بما انني أحدى أشد المتابعين للسلسلة الشهيرة-. تميزت هذة الكتب بنقل التجربة الإنسانية الخام ما بين ألم المرض ومحاولة الصمود والعيش. يتفق الكتاب الأول والثالث بأن المريض شخص غير الكاتب في الأول ابنتها وفي الآخر المريضة أمها. أي أن هذة الكتب تتكلم عن مشاعر وصراعات الشخص المرافق للمريض وعجزه عن تقديم المساعدة. أسلوب الكاتبتين رائع على اختلافه يجمعه استشعاري بحضورهن، أي أنني أشعر ان الكاتبه تحدثني كصديقتها المقربة. في حالة ايزابيل كانت الأمومة تدفعها للتشبث ببصيص أمل لا يوجد. كانت مؤمنة بانتصار باولا على مرضها كانت تتمسك بها بشدة تسترجعها من ذكرياتها دائماً. بينما الابنة فاطمة تدفعها حاجه أمها إلى الرعاية والواجب الذي يحتم عليها ذلك بعد تخلي أخوها عن الرعاية. في كل الكتابين اذكر تماماً مشهد الموت، لابنة ايزابيل وأم فاطمة، استسلام الكاتبتين والهدوء بعد التيقن بموتهم. هذا المشهد الذي لم يروى بطبيعة الحال في الكتابين الآخرين.

في الكتاب الثاني والأخير الراوي هو المريض نفسه، يحكي معاناته الشخصية مع المرض وشتان ما بين الكتابين. تشاندلر بنق هو شخصيتي المفضلة في السلسلة ثم بعده مباشرة فيبي بوفيه. تعاطفت مع خبر وفاة الممثل مما دفعني مباشرة لقراءة كتابه الذي ادهشني وجعلني انظر لماثيو نظرة مختلفة. شخصية انهزاميه لا مسؤولة يضع العبء على غيره ليخفف من ثقل فشله. صحيح أنه حاول تصحيح مساره في نهاية حياته لكن لا تزال ترسبات شخصيته القديمة تظهر بين الكلمات. لذلك شتان ما بينه وبين محمد أبو الغوط. أنا قادم أيها الضوء كتاب بدايته أمل ونهايته استسلام لقدر حتمي، توافقت تطورات مرضه لتطورات نظرته وتعامله مع هذا المرض. عرفت محمد أبو الغوط عندما انتشر خبر وفاته، قرأت المنشورات الموجودة في حسابه مباشرة ثم توقفت عن القراءة حيث انتظر طباعة وبيع الكتاب. الكتاب رائع كله ولكن الفصول الأخيرة المخصصه لزوجته وابنه ووالديه من الفصول التي تعلق بالذاكرة وقت طويل.

قد يجادل البعض بعبثيه القراءة لمثل هذة الكتب وتعريض الشخص نفسه للمشاعر الثقيلة نوعاً ما والذي يمكنه تجنبها. جوابي الشخصي هو تفضيلي لهذا النوع على بقية التصنيفات، فأنا مفتونه في التجربة الإنسانية أياً كانت. أحب كتب السيرة الذاتية وأرى قوة الشخص عند اعترافه بضعفه البشري أمام الناس بلا خجل. في كثير من المواقف التي تمر عليّ استحضر تلك الشخصيات أمامي واتذكر قول لها عندما تعرضت لمواقف مشابهه. قراءة هذا النوع من الكتب يعطى مدى أوسع لرؤيتك، وزيادة قابليتك لتفهم الشخص الآخر دون أن يصف ما يشعر به.

هذة قائمة حلقات رائعة استمتعت بها:

بين سحر التفاصيل الصغيرة ولعنتها

حين اشرع في كتابة تدوينة جديدة عني استحضر دائماً ما قاله أحمد أمين في مقدمة كتابه “حياتي”:

لم أتهيب شيئًا من تأليف ما تهيبت من إخراج هذا الكتاب. فإن كل ما أخرجته كان غيري المعروض وأنا العارض أو غيري الموصوف وأنا الواصف، وأما هذا الكتاب فأنا العارض والمعروض والواصف والموصوف، والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة. والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو أو صديق. أو بمحاولة للتجرد تم توزيعها على شخصيتين: ناظرة ومنظورة، وحاكمة ومحكومة، وما أشق ذلك وأضناه.
ومع هذا فكيف يكون الإنصاف؟ إن النفس إما أن تغلو في تقدير ذاتها فتنسب إليها ما ليس لها، أو تبالغ في تقدير ما صدر عنها، أو تبرر ما ساء من تصرفها. وإما أن تغمطها حقها ويحملها حب العدالة على تهوين شأنها فتسلبها ما لها، أو تقلل من قيمة أعمالها، أو تنظر بمنظار أسود لكل ما يأتي منها؛ أما أن تقف من نفسها موقف القاضي العادل، والحكم النزيه، فمطلب عز حتى على الفلاسفة والحكماء.
ثم إن حديث الإنسان عن نفسه — عادة — بغيض ثقيل، لأن حب الإنسان نفسه كثريًا ما يدعوه أن يشوب حديثه بالمديح ولو عن طريق التواضع أو الإيماء أو التلويح، وفي هذا المديح دلالة على التسامح والتعالي من القائل، ومدعاة للاشمئزاز والنفور من القارئ والسامع. ولذلك لا يستساغ الحديث عن النفس إلا بضروب من اللباقة، وأفانين من اللياقة.

من الصعب جداً أن أتكلم عما يختلج في نفسي. أصدق فيما أقول ولا أقول كل الصدق، فان أنا عرضت بعضه افكر في العواقب دائماً، ثم ما الفائدة المرجوه من نشرها؟ قد يكون تخفيف من عبء بعض الأفكار والتخلص لو فرضياً من ثقلها. وقد يكون نشر للتجارب الإنسانية للمؤازرة والإحساس باننا سواء على اختلافنا.

بالأمس سقطت في ضعفي البشري من جديد، لا استطيع الافصاح عن تفاصيل الحادثة لكن عزائي أنها مرت سريعاً دون أن أبحر عميقاً في تساؤلات لا جدوى لها. تعصف بي تلك الأفكار من جديد وأنا امسك مذكرتي الجديدة لعام 2024 م لأضع لها الخطوط العامة ليسهل انتقالي إليها في العام المقبل. ما الفائدة من كل هذا؟ اعيش حياة لا تشبهني ولا اعلم طريقة أخرى للوصول لما أريد، عراقيل تفوق قدرتي على تجاوزها ومزيداً من الاستسلام والضعف والعجزوالكثير من البكاء والخوف. اتنبه من تلك الحالة لأشكر الله على ما وهبني في حياتي وعلى ما أنعم به عليّ في سنواتي السالفة ولكن قلبي مثقل.

في هذة الأوقات دائماً احاول النظر في التفاصيل الصغيرة لأن جزءاً مني يُوقن أن الحياة تكمن في تلك التفاصيل. هل انتظاري لموائمة الظروف هو خطة محكمه أم محاولة سيطرة فاشلة. لدي الكثير من النظريات التي أؤمن بها والتي تخرجني نظرياً مما أنا فيه واعلم أنها طريق الراحة، ولكن تطبيقها أصعب من تحريك جبل من مكانه. أعود بين الفينة والأخرى واتسأل عن قراراتي، أهذا ذكاء مني أم غباء؟ اعيش بالرضا حيناً وبالضعف حيناً آخر.

كتبت ما كتبت وأنا افكر في هوية تدوينتي هذة، عن ماذا أريد أن اكتب وأيقنت آخيراً أن الارتجال هو ما استطيعه الآن. هذا التفصيل الصغير يستغرق من وقتي الكثير من التفكير والتخطيط. البحث عن الكمال في كل التفاصيل هو مقبرة الكثير من خططي ورؤيتي لما أريد الوصول إليه، ومعه تقتل متعة التجارب الجديدة. مؤخراً فقط استطعت التغلب على هذا الموضوع جزئياً وتقدمت خطوات بسيطة في ذلك. اطلقت مشروع واحد وفشل، حاولت أن اطلق أكثر من مشروع ثم أوقفهن في مرحلة التخطيط لأني لا اعلم كيف اوصله لمرحلة الكمال. أظن أن هذا هو هدفي القادم، القفز إلى تجارب جديدة دون تخطيط. قد اضعها في سلسة من التدوينات هنا.

من هذة التجارب مثلاً بدأت اتعلم بعض الأطباق التقليدية لأنني أريد لعائلتي الصغيرة أن تحضى بوجبة دافئة في برد الشتاء. في الآونة الأخيرة تغيرت ذائقتي أصبحت لا أحبذ الطبخ الحديث بالصوصات مثل كريمة الطبخ، لا استشعر الدفء فيها. لم أكن يوماً من محبات الطبخ ولم أجربه قبل الزواج -ما عدا الحلويات والكعك بالطبع- لكن الأمومة تدفعني لعمل شيء لا ارغبه بحب لأجل فقط أن اسمع “لذيذ يا ماما” بأصواتهم. وبدأت بـ”المرقوق” كانت ناجحة بنسبة 75%، اللحم ناضج تماماً الخضار مستوى استوائها مناسب لكني لم أتقن التكنيك في وضع رقائق العجين مما أدرى إلى التصاق بعضها. لكن المهم هو الطعم الشهي الذي وصلت إليه، وتذوق ابنتي للخضار بشهية لأول مرة. كانت من أعظم نجاحتي الأسبوع الماضي. الطبق القادم طبق خاص بمدينتي الأم، ازداد حماس كل يوم لتجربة طبخه.

مع اقتراب نهاية السنة أعيد التفكير بطريقة كتابة الأهداف وطريقة إنجازها وقياسها، لأني أصبحت مؤخراً أقيس إنجازي بالتفاصيل الصغيرة التي نغفل عنها غالباً لأن أعيننا تنظر للهدف النهائي متناسين كل ما حوله. ليس لدي أي فكرة حتى الآن عن الاستراتيجية الجديدة ولكن سأحاول ما بوسعي لمحاولة إيجاد طرق لتطبيقها. كنت قد كتبت عن الأجندة التي استخدمها وطريقتي فيها هنا لمن يريد الاطلاع عليها.

بيتنا أم بيت أهلي؟

المكان: بيت أهلي، في غرفتي
الزمان: 30 سبتمبر، بداية العصر

النافذة مفتوحه تداعب ستائرها نسمات الخريف اللطيفة. وأنا هنا على الأرض أمامي حقيبتي سفر، ألملم فيهن أغراضنا -أنا وطفلي- المبعثره بأقصى سرعة لأغتنم الدقائق المتبقية مع أهلي. لا أعلم ما اعتراني في اللحظات التالية، شعور انتقال آني ذهب بي بعيدًا في الماضي. في لحظات فقط أحسست بأني أنا في الزمان السالف، أنا التي كنت اسكن هذا البيت ولست أنا من آتيته زائرة. تآمرت عليّ هبوب النسمات اللطيفة مع أشعة الشمس المنتشرة في الغرفة فجالت بي للحظات ثم أعادتني مع بقايا شعور بالحنين تضاعف حتى انفجرت دموعي وظلت تسكب حتى صالة الانتظار في المطار.
اعرف شعور الحنين لذكريات في الماضي ولكن هذة اللحظة كانت مختلفة، كأنني أعدت عيش إحساس لحظة قديمة من جديد فتضاربت مشاعري ما بين حنين إلى ماضي لن يعود وسعادة بعودة شعور حميم.
لا أبالغ عندما أقول أن جزء من سعادتي في زياراتي العائلية هي العودة للبيت نفسه، الجدران، و الأثاث، والغرف، والساحة الخارجية، والأشجار التي تحيط به من كل جانب. أحرص في كل مرة على إعادة بعث روتين قديم وهو الخروج بعد صلاة الفجر وحدي في الساحة الخارجية، اعيش اللحظات بكل تفاصيلها كالأصوات والروائح والوجود بحد ذاته على هذة البقعة المحببه إلى قلبي. لا اؤمن بـ “نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول” ولكني مؤمنة تماما بـ “كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل” هكذا كان وهكذا سيكون دائما.
لا اعلم متى بدأت اسميه “بيت أهلي” بدال “بيتنا” حيث لا يزال جزء صغير داخلي يحاول مقاومة هذا الأسم فجوارحي كلها تسميه بيتنا. يعز علي أن كلمة بيتنا أصبحت ترمز إلى موطن آخر مع أني احبه ولكنه ليس “أول منزل”. قد يبدو ما اقوله حالماً أو انني اعيش حالة رومانسية مع طوب و”اسمنت” وأنا لا انكر هذا أبداً ولا استغربه. أحب هذا البيت وأحب العود إليه مراراً وأحب زرع هذا الحب في أطفالي. فحماس العودة له والولوج من بابه كان شعوري وحدى في السنة الأولى ثم تلت السنوات بعدها وأصبحنا ثلاثة أشخاص -أنا وأطفالي- ندخل من نفس الباب بنفس الحماس والسعادة.

منتصف يونيو

“تمر عليك أيام تتنفس من ثقب إبرة، مهمام متراكمة ومهام جديدة، وتمر بك أيام أقصى ما تحتار فيه هو لون الورد الذي تشتريه! والثانية زادٌ للأولى.”

يخطر ببالي كثيرا هذا الاقتباس من الرائعة نوف اليحيى، وأيامي هذة هي من الأيام الأولى. خُطط كثيرة وأيام مليئة بقوائم مهام طويلة أقوم بافراغها وإعادة ملؤها. وفي منتصف إنشغالي اسرق بعض الوقت لدرويش يحكي لي حكايته وأتوه معه في أفكاره، يحكي لي عن كل شيء. عن حياة الدراويش والعتبة عن أخيه ومصيبته، عن أبيه الطيب، عن صديقه الغريب، وعن إسحاق. عند قرائتك لرواية الدرويش والموت عليك الإستعداد للدخول في التفكير المفرط للشخصية الرئيسية للرواية. لم انتهي منها إلى الآن فلا استطيع أن احكم عليها حكم عادل ولكني متأكدة أن العمود الأساسي في بناء هذة الرواية كان التفكير المفرط (Overthinking).

أكثر ما يشدني في الروايات هي الشخصيات، وتركيبها وتعقيدها وحروبها الداخلية ومحاولة السيطرة على مشاعرها ومحاولة قراءة العالم من حولها. لذلك أحببت الدرويش لأنه صادق في وصف نفسه والتعبير عن أفكاره لا اعلم ما انتهى عليه ولكني انتظر. أحبببت بيير في الحرب والسلم وأندريه وناتاشا وماريه ونيقولا، لأنها شخصيات تطورت ولم أحب صونيا مثلاً. أظن انني لا زلت أعيش في رواية الحرب والسلم مع أني انهيتها في مارس تقريباً. وقد أخذت من وقتي بكل كتبها الأربعة مثل الوقت الذي أخذه مني نصف حكايا الدرويش! يوماً ما سأكتب تدوينه مفصله عنها.

ترتيب المكتبة كان من ضمن المهام لدي البارحة، عندما أحضر زوجي مجموعته من الكتب القديمة، اضطررت أن أعزل له صف كامل في مكتبتي وأقسمه حسب مجالات قراءته. انتهزت الفرصة لأُخرج مجموعة من الكتب لبيعها، وهذة أول تجربة لي في بيع الكتب. سأحكي لكم التفاصيل إذا قبلت عرض المشتري وأتممت عملية البيع. اعتقد أن سوق الكتب المستعملة بدأ يصبح رائج مؤخراً فالكثير من المتاجر الالكترونية للكتب المستعملة بدأت تمارس نشاطها التجاري. أتمنى أن تزدهر وتنجح هذة التجارة فلا مانع لدي من بيع كتب أصبحت لا تلائمني واتيح المجال لكتب جديدة.

لا أعلم كيف انتهى بي المطاف بالحديث عن الكتب والمكتبة، ولكنه منتهى حديثي غالباً. فكرت أن تكون تدوينة خفيفة سريعة ولا أريد أن أنهيها بدون توصيات، فعلمت أن خير ما أوصي به هو أول ما ابتدأت به. أنصحكم بمتابعة نوف اليحيى تقدم محتوى مختلف مدهش، محامية ومتحدثه رائعة وذات عقل وحكمه. توصي بكتب رائعة وأماكن بيع قهوة جيدة، وتبحث عن ألذ ماتشا في الرياض. والآن العودة لقائمتي.

أنا ونحن الأخريات

لا أعلم لماذا ترعبني فكرة أن اكتب تدوينة! أن افتح المحرر واكتب بكل بساطة ما يراودني، من السهل عليّ صياغة تغريدة في تويتر ثم رفع منشور على “انستقرام” والخيار الأخير المرعب هو أن اكتب تدوينة هنا. يطاردني دائماَ هاجس الكمال والفائدة، لماذا اكتب؟ من سيقرأ؟ من سيستفيد من هذة التدوينة؟ واسئلة أخرى أخاف إن ذكرتها وأسهبت أن اقفل المحرر ولا اكمل الكتابة.

طرق عنوان التدوينة عقلي وأنا اتقلب محاولة لإستنجاد النوم بأن يطرد أفكاري ويريح عقلي وعلى نحو غير مسبوق تمنيت أن يتأخر النوم قليلاَ وأمضيت ليلي في تفكر واشتياق. اشتاق كثيراً لأنا سابقة ويطول ليلي أفكر فيها كيف كانت تفكر؟ وماذا أرادات أن تكون؟ وأين هي الآن؟ هذا لأني اجزم أني لست هي، هي أقرب لي من نفسي فأين ذهبت؟ ويكرر علي الطنطاوي كثيرا هذة الفكرة فيقول:

” نحن في تبدل مستمر، كل يوم يموت فيّ شخص ويولد شخص جديد، والميت أنا والمولود أنا: خلايا جسدي تتجدد كلها كل بضع سنوات حتى لا يبقى منها شيء مما كان. عواطف نفسي تتبدل، فأحب اليوم ما كنت أكره بالأمس وأكره ما كنت أحب. أحكام عقلي تتغير، فأصوب ما كنت أراه خطأ وأخطئ ما كنت أجده صواباً.

فإذا كانت خلايا الجسد تتجدد، وعواطف النفس تتغير، وحكم العقل يتبدل، فما هو العنصر الثابت الذي لا يتبدل ولا يتغير؟ أقول “قال لي عقلي” و “قلت لنفسي”، فمن أنا -إذن- إذا كان عقلي غيري فأقول له وكانت نفسي غيري فتقول لي؟ – عليّ الطنطاوي

والحقيقة أني لا املك جواباً وإن كان يقول الشيخ أن العنصر الثابت هو “الروح” في نهاية هذا الاقتباس من كتابه الذكريات -الجزء الأول-.

تغريني فكرة فتيات الأصابع التي ذكرتها الكاتبة إليف شافق في كتابها “حليب أسود” فمنذ قرأته وأنا لا ازال افكر في فتياتي الصغيرات، على الرغم من إن أليف ترى أن الفتيات يتواجدن في نفس الوقت وأن الشيخ علي يرى أن الأنا متغيره بتعاقب الزمان. أما أنا لا أرى تعارض بين الفكرتين، فأنا ونحن -أعني فتيات الأصابع- متغيرات بتعاقب الزمان وهذا لا خطب فيه ولا ضير.