بعد كتابة تدوينتي السابقة فكرت كثيراً في كتاب قراءته قبل سنتين وهو رواية “نعاس” للكاتب هاروكي موراكامي. اتذكر عند البدء بقرائتها لم أجد فيها ما يجذبني حقاً. وقعت عليها صدفة وكنت أنوي منذ زمن البدء بقراءة روايات الكاتب الياباني الشهير. وكانت النعاس أول مصافحه بيننا. الكتاب صغير جداً لا يتجاوز ال 90 صفحة قرأته في جلسة واحدة، ولم يكن حجم الكتاب السبب الوحيد لذلك. اندمجت مع الشخصية الرئيسية التي فقدت القدرة على النوم بشكل مفاجئ. كنت مشدوهه بتلك الفكرة وفكرة القدرة على استغلال جميع ثواني حياتك لفعل ما تريد. حتى وصلت نهاية الكتاب وأظن أنني استطعت أن افهم رمزية الرواية.
اتذكربعد أن أنهيتها توجهت مباشرة إلى تطبيق قودريدز على هاتفي لكتابة مراجعة* عن الكتاب. كنت أتمنى أن أوصل أفكاري ومشاعري في تلك اللحظة وكانت هذة المراجعة:
لعلي وجدت روايتي المفضلة!
على مدى سنوات قراءاتي كلها لم تمسني رواية بشكل شخصي كما مستني هذة الرواية ❤️ ولعلي وجدت سبب لمحبي هاروكي موراكامي.
هنا في النعاس الأمر أعمق بكثير من امرأة فقدت النعاس والقدرة على النوم. هنا في النعاس وجدت امرأة اختارت طريق الأمومة والزواج وانغمست في مسؤولياتهم إلى أن نست نفسها في سبيل نجاح وراحة أسرتها الصغيرة. ولكنها حافظت ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بحب قبل أن تلتزم بتلك المسؤوليات. فساعدتها الرياضة في إعادة الصلة بنفسها القديمة. وهذا دليل مهم على أن الشخص الذي رأته في الكابوس وكان السبب في فقدها القدرة على النوم كان بالحقيقة هي نفسها. ولمن لم يقرأ الرواية، البطلة قد رأت في الحلم أن “عجوزًا يرتدي لبس رياضي” يسكب عليها ماء لا ينضب من إناءه الفخاري. والماء هنا هو رمزية للوقت الذي زاد بأيامها واتسعت فيه حياتها عندما فقدت القدرة على النوم فاستفادت من كل تلك الساعات المهدرة بالنوم. وقد ذكر هاروكي في الرواية منام صديقتها التي فسرته بالقلق ونلاحظ وجود “العجوز” كدلالة به على صاحب المنام .
ولعلي هنا أميل إلى أن النعاس والنوم لم يكن الوضع الفسيولوجي الطبيعي، بل كانت غفلة تعيشها البطلة ثم تنبهت منها بعد الكابوس. اتسعت حياتها وأعطت نفسها حقها وأحبتها وقد ذكرت ذلك البطلة في الكتاب. فالأم في وقت من الأوقات قد تفقد نفسها بكثرة المسؤوليات وبتقديم أفراد عائلتها على نفسها. في الرواية وبعد اتساع حياة البطلة واكتسابها الوقت الذي كانت تقضية في النوم لممارسة ما تحب، لم تتأثر مسؤولياتها كأم وزوجة في بداية الأمر. لم يتغير شيء. لكن فقدان النعاس وفقدان القدرة على النوم هو أمر غير طبيعي، ففي النهاية تمكن منها النعاس واستسلمت له. وذلك بعد أن جلست في سيارتها وحيدة ثم قام شخصان بهز السيارة حتى وقعت في النوم. هنا ربطت بين الشخصين ومسؤولياتها كأم وزوجة. أي أن هذة المسؤوليات تمكنت من هز كيانها كامرأة مثلما هز الشخصان السيارة مما أدى إلى عودتها تدريجيًا إلى النعاس والغفوة. الجدير بالذكر أن البطلة كانت تقاوم وبذلت الأسباب كيلا تنام ثم استسلمت في الأخير.
قرأت هذا الكتاب وخرجت منه بهذة النظرة وأنا أرى أن الأمومة والتربية من أمتع وأصعب المسؤوليات التي التزمت بها في حياتي. قولي أن الرواية مستني بشكل شخصي لا أعني به نظرة سلبية عن الزواج والأمومة.على العكس تماماً فأنا أرى أن الحنين إلى نفسك القديمة هو تطور طبيعي ولحظة إدراك من الأم بطبيعة المسؤوليات الجديدة الملقاه على عاتقها. بالمناسبة أنت تتعلم إدارة هذة المسؤوليات بالخبرة. بدون خبرة أنت لا تملك أي فكرة عما يحدث حولك مهما كنت مستعدًا قبل ولادة طفلك، مما يضاعف شعور التية والقلق. اذكر عند كتابة هذة التدوينة كانت ابنتي تتم عامها الأول وكنت أمر بلحظة التية هذة.
هذة الأيام أعيش مع ابنتي تجربة الطالبة المستجدة، تدرس الآن في أولى ابتدائي. خلال تبضعنا قبل بداية المدارس عشت اللحظات من منظورها هي ومنظور والدتي، أتذكر شعوري عندما كنت في عمرها. لا استرق منها لحظاتها ولم اتكلم عن تجربتي أمامها. بل اصف ما اعيشه خلف كواليس حياتها، أرى في نظراتها الحماس والخوف والترقب وبشكل غريب استطاعت ذاكرتي أن تسترجع كل أحداث أول يوم دراسي لي. أراني في ابنتي وأرى والدتي فيني. ولم استغرب هذا الشعور فقد بدأت أشعر به منذ بدأت تعبرعن نفسها، ولكنه جلياً وقوياً هذة الأيام. لا اعلم ما السبب في ذلك. هل لحبي الشديد للمدرسة علاقة؟ أم أن ذكرياتي مع والدتي كلها عن المدرسة؟
بعد نهاية الأسبوع التمهيدي وخلال أول يوم دراسي حقيقي لها صفت في الطابور لأول مرة عندها اجتاحتني نوبة بكاء. سعيدة جداً لأجل ابنتي وعرفت أخيراً سبب قوة هذا الشعور. ها نحن أخيراً نلتقي في مسار الذكريات، استطيع أن استرجع ذكرياتي وإحساسي في نفس المواقف التي تعيشها هي الآن. “أنا استطيع فهم ابنتي أكثر فهي تصنع ذكرى وأنا استرجعها” أصبحت هذة الفكرة تلازمني لأيام ، كانت سبب خفي للبهجة.
تدور حياتي هذة الأيام حول إيجاد روتين مناسب يسمح لنا أن نعيش حياة متوازنة بين الدراسة والترفية. يدور عقلي في متاهة قوائم لا تنتهي وسعيدة بهذا جداً. أحاول إعادة رسم خطة لمساري المهني الذي مر بتوقف مؤقت، بدأت العمل على مشروع شخصي وابحث عن مهارات جديدة اقضي وقتي في تعلمها. وصاحب كل هذة التغيرات قراري بإلغاء وقت الشاشة لأطفالي خلال أيام الأسبوع والإكتفاء بساعة يومية نهاية الأسبوع. فأضاف هذا مجهوداً ليس يسيراً لاشغالهم. عسى أن يكون هذا المجهود مؤقت حتى يألفون هذا النظام. أما الآن فأنا أشعر وكأنني بهلواني يحاول أن يوازن كراته في وقت واحد، قد ينجح بذلك أو قد تسقط كل الكرات.
قالت صديقة قبل عدة أيام أنها تحب أن تتأمل في حياتها وكيف غيرتها الأمومة من “شخص فرداني” لشخص يعطي كل وقته لأطفاله بحب ولا يبقى لها من يومها ما يكفي. وكشخص “فرداني” سابقاً وقع كلامها موقع عميق في نفسي فأنا ذاك الفتى. كنت شخص مسؤول فقط عن دراسته، حققت أقصى ما يمكن تحقيقه خلال سنواتي الدراسية كلها. حققت المراتب الأولى في الثانوي ثم البكالوريوس ثم الماجستير. كُرمت بأكثر من محفل وسمعت الكثير من التنبؤات عن مستقبلي المهني الحافل. ثم أصبحت أماً ووضعت جل طاقاتي لهم. فأنا أُكثر من التأمل في التفاصيل الدقيقة، جميع حواسي مستيقظه طوال الوقت. تمر علي المواقف اليومية كمشهد سيريالي، أرى المواقف بعيونهم الصغيرة واتصورها كما تتصورها مخيلتهم الكبيرة واسترجعها كذكرى قديمة لهم. يحدث كل هذا في نفس الوقت الذي اعيش به هذة المواقف. لطالما كنت الفتاة ذات الحس العالي لمن حولي ولكن هذا الاحساس تضاعف حتى فاض مني مع أطفالي.
تصحبني الكتب الصوتية هذة الأيام، للتو أنهيت رواية أوراق شمعون المصري مع مجموعة قراء رائعين. تناولت الرواية قصة بني اسرائل مع نبي الله موسى. اعتقد أن القصص بها كثير من الاسرائليات التي لا نصدقها ولا نكذبها. أحببت فيها السرد البسيط الممتع الذي يناسب أيامي المزدحمة. أحاول مصالحة الكتب الورقية هذة الأيام واخترت كتاب الجوع إلى الأمومة. تشرح فيه الكاتبة ما الذي يعانيه الشخص إذا فقد العلاقة مع أمه، أو كنت العلاقة سيئة. تشرح فيه الآثار المترتبة على هذا الفقد وكيف يتم معالجته. ثم تعطي نصائح للأمهات لتجنب هذا الوضع مع أطفالهن. قرأت المقدمة فقط لا اعلم إن كنت أوصي به بعد ولكن الموضوع جيد ويستحق أن يقرأ عنه. واعتقد أنه مناسب لهذة التدوينة، قد أعود لاكتب عنه هنا إذا أنهيته.
أنتم سروري وأنتم مشتكى حزني وأنتــم فـي ســواد الليل ســماري أنتــم وإن بعــــدت عني منــازلكـم نــوازل بـيــن إســراري وتــذكــاري الله جــــــاركـــــم ممــــا أحـــــاذره فيكم وحبي لكم من هجركم جاري
شاهدت مؤخراً حلقة الدكتورة هبة في بودكاست فنجان مع ثمانية. ذكرت فيها دراسة عن مدى تأثير التعاسة الزوجية على جمال المرأة. أجريت الدراسة على مجموعة من السيدات المتزوجات وجدوا فيها أن مجموعة النساء التي تتحدث عن مشاكلها الزوجية مع “مجموعة دعم” لم يتأثر شكلهم الخارجي مع مرور الزمن والعكس حدث مع المجموعة التي تضمر في نفسها. حيث بدأت أكبر بالعمر وتشتكي من مختلف الآلام والأمراض. واستشهدت الدكتورة بحديث أم زرع على وجود هذا النوع من مجموعات الدعم في وقت سابق -وان اختلف شكله-.
أؤيد هذة الفلسفة كوسيلة للتعامل مع المشاعر التي تعصف بنا في بعض الأوقات. أراها كوسيلة نستخدمها مثل أن نستخدم الكتابة لذلك. وهي قد تعزز من أواصر العلاقات وقد تهدمها، فلسفتي فيها هي أن نسدد ونقارب. وانصح بقراءة كتاب “ربما عليك أن تكلم أحدا” لأنه يشرح هذة الوسيلة وكيفية استخدامها بكفاءة. ولكن أنا ضد أن تتحول مجموعتي الداعمة -وغالباً صديقتي- لإسفنجة وظيفتها فقط امتصاص مشاعري السلبية.
تمر الصداقة بعدة مراحل أولها مرحلة البدايات وحماس التعرف على علاقات جديدة. تتسم بطابع المرح والفضول والكثير من القصص التي تنتظر منا أن نرويها. ثم المرحلة التي تليها مباشرة هي مرحلة التآلف وهي المرحلة التي لابد أن تحدث لاستمرار علاقة الصداقة. تتسم هذة المرحلة باكتشاف نقاط مشتركة مثل الاهتمامات أو الأفكار أو المرجعيات الاجتماعية وغيرها. ما يهمنا من هذة المراحل هي مرحلة متقدمة قد تصلها بعض الصداقات، أطلقت عليها مرحلة الاسفنجة. أن تكون مهمة صديقتك الوحيدة هي امتصاص طاقتك السلبية وقد يكون الأمر بالتبادل أحياناً. أن يكون صديقك هو معالجك النفسي الغير مختص. هذة المرحلة تضع حمل ثقيل على طرف الاسفنجة في العلاقة. فهو يحتار بين رغبته بتقديم المساعدة والأذن الصاغية وبين جهله بطرق معالجة هذا الكم الهائل من المشاعر السلبية التي تجتاحه. وقد يقدم مشوره تضع صديقه في مزيد من المشاكل.
هذة المرحلة هي مفترق طرق، إذا كان الصديق المستاء أناني بما يكفي لتجاهله عمداً بمدى الضرر الذي يسببه كلامه على صديقه الاسفنجة فهو من البداية لا يأخذ هذة العلاقة على وضع متكافئ. على الاسفنجة أن يحدد وضع صديقه ثم يتعامل معه بناءً على ذلك. وقد تختلف هذة الحالات بتباين الشخصيات والأوضاع مثل:
جهل الصديق المستاء بمدى تأثير كلامه على صديقه الاسفنجة، هنا من حق الصديق أن يعلم. على الاسفنجة أن يتكلم مع صاحبه بصراحة تامة. أن يبين له عن استعداده التام لسماع الشكوى وبمدى تأثيرها عليه وأن يبين أنها تقع في نفسه هذا الموقع لرفعه مكانة صديقه عنده. فهو لا يتملل منه بل يريد أن يضع هذة الشكوى في قالب يناسب الطرفين.
ضعف شخصية الاسفنجة وعدم قدرتها على المصارحة، قد يضطره ذلك لاستخدام الحيل للخروج من وضعية الصديق الاسفنجة.
انتهاء المنفعة من هذة الصداقة حيث قامت ببدايتها على وجة تشابه انتهى، مثل مكان عمل واحد. عندها استحالت هذة العلاقة إلى مكب تفريغ لا أكثر. هنا الأفضل للطرفين أن تنتهي هذة الصداقة مع حفظ العشرة والأيام الجميلة بينهم.
على أن انوه أن المقصود بالصديق المستاء في هذة التدوينة هو شخص سليم لم يتم تشخيصه بأحد الأمراض النفسية ويشعر أنه في دائرة مظلومية يتخيلها. الصديق الذي يرفض كل الحلول المقترحة للخروج من هذة الدائرة. الذي يستمتع بشعور الشفقة والنقص، الذي لا يرى النعم المحيطه به ويركز على النقص في حياته. الصديق الذي يستمر في هذة الدائرة سنين طويلة لا يريد الخروج منها وإن حلت مشكلة يخترع مكانها مشاكل أخرى ليضل بهذة الدائرة.
أما الصديق الذي يمر عليه طيف الاستياء ويشتكي لصديقه فهذا لا ينطبق عليه أياً مما سبق. فنحن بأصدقائنا نتحمل أقدار الحياة وتقلبات الزمان.
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواســيـك أو يسلــيك أو يتـوجــع
آمل أن لا تكون التدوينة سبب لنهاية صداقات قديمة بل سبب في تصحيح مسارها. قرأت مرة أننا في كل علاقة صداقة نقسم جزء من روحنا لهذا الصديق نشاركه همومنا وأفراحنا وأفكارنا وطموحاتنا ونرى العالم بنظرة وسطية بين ما يراه وما نراه. نستودعه هذا الجزء ونمضي وعندما تمر علينا ليالي عجاف نقابل أصدقائنا ثم يُستدعى هذا الجزء من روحنا ليعيدنا إلى المسارالصحيح. هذة العلاقة السامية لا ينبغى أن تدمرها اسفنجة.
قد يكتب الله عليك أمرًا كنت تظن أنه لن يحصل لك أبدًا، تظن جهلًا منك أن هذة القصص تصيب الناس حولك فقط وليس أنت. تسمع بها تتعوذ من شرور تقلب الأحوال والأقدار وتمضي. حتى يحدث لك أمرًا يستدعي منك التوقف ثم تعلم أنك عبد من عباد الله ماضي عليك حكم الله كما هو ماضي عليهم. المثل المشهور عن الكأس نصف الممتلئ وتقسيم الناس لمتفائل ومتشائم بناءً على أي جزء من الكأس وقع نظر الشخص عليه يثبت أن هناك جانبين في كل كأس وفي كل قصة. أرفض رؤية جانب واحد على الأخر، هناك جوانب متعدده يجب أن نراها جميعها ولا نهملها لنستطيع أن نحكم على الأحداث حكم صائب ونعيش بواقعية. وهذا يقودنا إلى تقبل ما قد يحدث مستقبلاً ونجهز أنفسنا لذلك. أقول هذا وأنا أخشى القرارات لأنني أحب أن اعرف عواقب الأمور وأخاف من إنقلاب الأحوال، أحب الروتين وأخشى التغير. وكأنني أحصن نفسي بهذا من الأذى ولكن هيهات قدرك سيصيبك شيئت أم أبيت. علمت أن عليّ أن أربي نفسي على تقبل ما كتبه الله لي. أن اختار الرضا كرمًا وحبًا وعلمًا واعلم يقينًا أن في هذا الأمر خيرة لي لا اعرفها. وتربية النفس هذة تبدأ من قبل وقوع الحدث لأن ردة فعل الإنسان عند المصائب تنبع من إيمانه واختلاف ردات فعل الناس للمصائب تأتي من اختلاف أساس يرتكزون عليه لذلك “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.
جهلاً من الإنسان رأى الموضوع من جانب آخر وأراد أن يتحكم بقدره. اعلم أن المصاب كالغريق يتمسك في أي قطعة خشب يراها ولكن هوس التحكم في الأقدار وجذب ما يريد الشخص ما هو إلا ضرب من جنون. المسلم العاقل المتدبر لكتاب الله يعلم أن خير البشر نفى عن نفسه القدرة على ذلك فأين هو من خير البشر! قال الله تعالى “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ“. هذة قاعدة يجب أن يأصلها المسلم في نفسه، لا يملك من أمره شيء إنما الأمر كله بيد الله ذو الجلال والإكرام.
ومن جهله أيضًا أنه يظن بنفسه القدره على استجلاب الخير واستحقاقه التام والغير قابل للشك في ذلك الخير، ورد الشر الذي يرأى أنه لا يستحقه عن نفسه! وكأن الابتلاء شر محض وقد قال الله تعالى “ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” وما هو إلا سنة من سنن الله في الخلق. ومن شروط هذا الإستحقاق أن يؤكد على نفسه كل يوم بتمام قدرته واستطاعته على الاعتماد عليها فقط -أي على نفسه- في ذلك! ويستطيع الإنسان الفطين أن يرى أننا في الأذكار نستعيذ من هذة النفس مرتين في اليوم كل يوم “أعوذ بك من شر نفسي” و “ولا تكلني لنفسي طرفة عين”. فأي استحقاق يتكلمون عنه، استحقاق يورد النفس مورد الهلاك والشر. ويظن أن العيش لا يحتمل إلا بوجود معنى لحياته! فلسفة غربية اتفهم سبب نشؤها بالغرب وانتشارها واستغرب من محاولة الإنسان المسلم أن يطبقها على حياته.
معنى حياتك كمسلم أن تعبد الله وأن تعمر الأرض بما يرضي الله، قال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الصلاة والذكر وقراءة القرآن هي كل من يهم في يومك كمسلم وهي الأساس، وأن ترعى الله في أمورك الدنيوية كإنجاز مهني أو دراسي. وليس العكس، أي أن نجعل الإنجاز والاحتفاء به مقدم على الطاعات والصلاة والأذكار وفي الحديث الصحيح “من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ” وهذا ما يربى عليه النشء. أن دينه دين كامل، يعلمه ويؤدبه ويسن له أسلوب حياة متوافقه من فطرته. ما بين أوامر ونواهي وابتلاءات واختبارات حتى يلقى ربه. وكم من حمل سيسقط وراحة بال سيستأنس بها إن تعلم الإنسان حدوده وأدرك يقينًا سبب وجوده وعرف أولوياته وعاش وفقًا لذلك كله.
كل ما كتبت كان خلاصة بحث وتجربة وقراءة، ومحاولة مستمره لتربية وتهذيب نفسي. قرأت كثيراً في فلسفة معنى الحياة وأرشح كتاب الأستاذ عبدالله الوهيبي “معنى الحياة في العالم الحديث”.
في تدوينة هيفاء 7 مايو ذكرت مفردة «البطء» التي تفكر فيها كل يوم بشكل جديد فابتسمت على الفور لأني اخترتها لتمثل كلمة العام في مفكرتي أو ما يعني الطابع العام لهذة السنة. اخترتها بعد أن قرأت كتاب «في مديح البطء» والتي أوصت به بشدة نوال القصير وأشكرها على توصياتها الرائعة دائماً. اتذكر جيدا طريقتي في قراءة الكتاب لا أعلم أهو من تأثير العنوان عليّ حيث كنت أتناول مواضيعه ببطء ولذة عجيبة أنا التي كنت التهم الكتب التهاماً!
في فصول حياتي السابقة كنت أكثر انشغالاً وتشتتاً مني الآن، مع ذلك كنت استطيع تقريبًا السيطرة على قوائم مهام بقدر معقول. أما الآن بعد الأمومة أجاهد في السيطرة على قوائم مهام لا نهائية ومترامية الأطراف بكل المجالات ولا استطيع. أنا لا افتقر للإسترخاء لأني استقطع وقت لا بأس به عند نوم أطفالي ولكن المهام هي ما تؤرقني فما زال يعيش في داخلي ذلك الهاجس الغير مبرر لأنهائها كلها بسرعة وكأن موعد نهائي محدد لكل مهمة ماثل أمامي ويطاردني. حتى المهام التي استمتع بها مع الصغيرين مثل الاستحمام كنت اضعه في مفكرتي كمهمة يجب الانتهاء منها!
بعدما قرأت الكتاب ذهلت ببساطة الفلسفة التي يؤمن بها الكاتب أي فلسفة البطء. وشعرت باستاء لأني اطبق قانون التسارع على كل المهام، وشعرت باستياء أكثر لأني لا أتممها ثم لا أشعر بالرضا التام عن ما فعلت. شعور متواصل من تدني الإنتاجية وسوء التنظيم يطاردني كشبح. وهذا ما يحاول الكاتب أن يلفت نظرنا إليه ربط السرعة بالغضب.
هذا ما يقودنا إليه وسواس السرعة وتوفير الوقت. إلى الغضب في الطريق، والغضب في الأجواء، والغضب عند التسوق، والغضب في المكتب، والغضب في الإجازة، والغضب في صالة الرياضة. وبفضل السرعة، بتنا نعيش عصر الغضب.
في مديح البطء، كارل أونوريه
قررت الهدوء وإعادة كتابة قوائم المهام التي تطفو أمامي دائمًا وتشعرني بتدني إنتاجيتي لأني لم أتمها. وضعتها في قسم خاص بها آخر المفكرة كما أفعل بداية كل سنة عند اقنتائي مفكرة جديدة. خصصت بعضها لي وبعضها لزوجي وبعضها مهام مشتركة، نقوم بها سوياً أو يقوم بها شخص يكفي عن الآخر. المفارق في الموضوع أننا بدأنا بإنجاز هذة المهام هذة السنة مع أن هذة القوائم نفسها كانت تنتقل معي وتتضاعف على مدار السنوات السابقة. الاختلاف كان في فلسفتي في إنجاز المهام.
حين نخوض الحرب على عبادة السرعة، تكون خطوط القتال الأمامية داخل رؤوسنا. فسيظل التسارع الإعداد الإفتراضي حتى تتغير مواقفنا. علينا أن نتعمق أكثر. أن نغيّر الطريقة التفكير بها.
في مديح البطء، كارل أونوريه
حاولت أن افكر في الفلسفة الجديدة عند تحديد أهداف هذة السنة وكانت النتيجة مرضيه كأول محاولة للتغير. كما أن مخطط ال Passion Planner الذي ذكرته في تدوينتي السابقة ساعدني على تطبيق الفلسفة بسهولة. اعترف أنني فشلت في تحديد أحد هذة الأهداف ضمن فلسفة البطء وهو عدد الكتب التي أريد قراءتها هذة السنة. العدد كبير على الفلسفة الجديدة ولكن بعض الأمور تكون ضاربة في الجذور لا تتغير بسهولة. فلا بأس بالمرونة وبعض التنازلات.
في النهاية كشف الكاتب عن سر النجاج الذي تملكه حركة البطء، بأنها تروّج المتعة. أي أن مبدأ فلسفة البطء هو قضاء الوقت الكافي لإنجاز الأمور بالشكل الصحيح، وكذلك التمتع بها أكثر. وهذا ما لمسته واقعاً هذة السنة، فمع انقضاء خمسة أشهر من هذة السنة استطيع أن أجزم أنها فلسفة رائعة. فمعظم الأهداف أُنجزت، كما أنني استمتعت بالرحلة. والمؤشر الرائع لنجاحها هو اختفاء مؤقت العد التنازلي الذي كان ماثل أمامي طوال الوقت جنبا لجنب مع قوائم المهام اللامنتهية.
عند الحديث عن العلاج النفسي والذي أصبح أمر غير مستغرب في الآونة الآخيرة -بل ويتصدرقوائم عنواين البودكاستات المختلفة- لطالما لفت انتباهي مصطلح “العلاج المعرفي السلوكي” لأنه علاج بدون المخاطرة، ظننت أنه آمن وسهل وما أجهلني. أردت بشدة الخوض فيه وتجربته ولكن لماذا نفتح الأبواب المغلقة ونحن لسنا بحاجه لذلك. فقررت الاطلاع عليها من باب الاطلاع فقط والسبيل إليه كان كتاب “العقل قبل المزاج” وذلك حين تحدثت عنه ممن أثق في حكمهن فقررت اعطاء هذا الكتاب فرصة. قبل اسبوعين اختلقت عذر للطلب من جرير كعادتي لأستطيع أن اطلب ما أريد من الكتب، وهذة حيله اعتدت عليها في صغري حتى اقنعهم بالذهاب وشراء ما أريد ولم استطع أن اتخلص منها حتى الآن. وكان كتاب “العقل قبل المزاج” من ضمن هذة الكتب.
لم أجرب من قبل قراءة هذا النوع من الكتب ولا حتى طريقة القراءة المقترحة له، فالكاتب يقترح أن نقرأ ما نحتاج فقط من الكتاب وأن نقرأه على مهل ولا ننتقل للأجزاء الأخرى حتى نتأكد من إتمامنا للمهارة المطلوبة. أنهيت الكتاب خلال أسبوعين تقريباً وأراها سريعة جداَ على الكتاب حيث يقترح الكاتب تحديد ما نود علاجه وتطبيق المهارات عليه حتى يتم العلاج تماماً والذي بدوره يستغرق وقت طويل من الزمن. فقررت أن أقر كل الكتاب وعند التطبيق أعود للأجزاء التي احتاج فيها للكتابة ونقل ما احتاجه من جداول إلى مذكرتي للحفاظ على خصوصيتي. اعلم أن تطبيق التمارين في الكتاب يتطلب عزيمة وصبر واجتهاد لإنهائه لأنه علاج، والعلاج نصبرعلى مرارته لنتذوق حلاوة الصحة الجسدية والنفسية في هذة الحالة.
بشكل عام وبصوره سريعة الكتاب يعالج الأفكار التي تؤثر في حالتنا المزاجية، يقترح استخدام سجل الأفكار لمساعدتنا على فهم لماذا أصابتنا في هذة الحالة المزاجية من فكرة معينه ويساعدنا على إيجاد بديل للفكرة وأراه حل رائع ومناسب إذا أردنا معالجة أمر طارئ وموقف حدث للتو. ولكن أكثر ما أعجبني هو البحث في الافتراضات الدفينة والقناعات الجوهرية ومعالجتها ومن ثم وضع الخطط البديلة وتنفيذها ويقدم أدوات لتقييم التقدم. سأحاول الالتزام بهذة الخطة قدر المستطاع وربما اكتب تدوينة مستقبلاً عن النتائج.
لا أستطيع إنكار فضل الكتاب في مساعدتي على كسر قاعدة القراءة لدي، والتي تلزمني بقراءة ما بين يدي حتى أنهيه وقراءة كتاب واحد فقط. كنت أتمنى أنني استطيع كسر القاعدة وحققه لي الكتاب خصوصًا أنني قراءته بعد ما أنهيت الحرب والسلم وأصابتني تخمه لا أعلم علتها. هل هو تولتسوي؟ هل هي الأجزاء الأربعة؟ هل هي عدم قدرتي على التجول خارج أسوار موسكو وقصورها؟ أم أن كل هذا اجتمع مع قاعدتني في القراءة. كل ما اعلمه أنني توقفت عن القراءة لمدة شهر أو يزيد وأنني أحاول الحبو إليها من جديد.