
الكل يطمح أن يكون طفله الأول على الصف، وموهوب، وذكي، ورياضي، وقارئ، ومفوه، وحافظ للقرآن، وذا دين وأخلاق حسنة… الخ من الصفات التي لا يمكن أن يتصف بها شخص واحد لأن الكمال صفة إلهية. مع ذلك فإن هذا الهدف الغير واقعي هو هدف الكثير من الآباء والأمهات. ويجتهدون في تنفيذه إلى أن يصل بهم الحال إلى حالة شائعة عند خبراء التربية قرأتها في أحد الكتب وهي “فرط الأبوة والأمومة” أو Helicopter Parenting وكان لهذا المصطلح وقع خاص علي، أنا الأم لطفلين عمرهما أقل من خمسة سنوات. هذة الحالة هي فرط الاهتمام بالطفل وفرط التحكم بجميع جوانب حياته بهدف الحصول على أبناء مثاليين من الناحية الصحية والنفسية وذو إنجازات أكاديمية وعلى المدى البعيد إنجازات مهنية أيضاً. واحدة من سماتها المميزة أنها لا تقبل أخطاء الطفل وهذا يتنافى مع طبيعتنا البشرية حيث تعد الأخطاء جزء مهم من العملية التعليمية. شُغلت بهذا المطلح منذ قرأته أول مرة، وأردت أن اعرف كيف لفرط الاهتمام أن يؤثر بالطفل؟ وكيف يقارن أثر فرط الاهتمام بالإهمال وكيف أعرف إن كانت تنطبق عليّ هذة الحالة؟
لا أحد يستطيع إلقاء اللوم على الأهالي لأن هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى تبني هذا الهدف الغير واقعي. المجتمع أصبح مجتمع إستهلاكي رأسمالي، يحث الأهالي على تحسين فرص الوظائف لأطفالهم! وهذا مثال مُشاهد غير مبالغ فيه. أحد المَشاهد مثلاً تعلم اللغة الإنجليزية قبل تعلم اللغة العربية لأن -بحسب نظر الأهالي- ستكون المنافسة في المستقبل على الوظائف أشد ضراوة منها الآن واللغة الانجليزية مطلب أساسي. التضخم في المعلومات التربوية في جميع قنوات التواصل الاجتماعي من أخصائيين وغير أخصائيين كذلك. سهولة مقارنة الأطفال ببعضهم البعض مع اختلاف خلفياتهم التعليمية والاجتماعية، مما يدفع الأهالي إلى مزيد من الاهتمام والرعاية وجدولة الكثير من النشاطات للطفل ونقصد هنا الإفراط فيها. وكأن الفراغ والملل أمر مهدد لمستقبل الطفل مع أنه على العكس تماماً، يزيد من قدرة الطفل الابداعية باختراع ألعاب تملى عليه وقت فراغه. كما أن المقارنة لا تقتصر على الأطفال فقط بل يقارن الوالدين بعضهم ببعض ويخافون من فشلهم في تحقيق أهدافهم المرجوه من الطفل. كل هذة الأسباب أدت إلى نشأة مصطلح فرط التربية.

عند بحثي عن هذا المصطلح اكتشفت أن علماء التربية قد قسموا التربية إلى أربعة أقسام كما يتضح في الصورة أعلاه، وهي مقسمه كسلسة من الأنواع تبدأ بالصرامة الشديدة وتنتهي بالاهمال التام. وهي مفصله كالآتي:
- التربية السلطوية (Authoritative): وهي التي تفرض سيطرة الوالدين على الأبناء على جميع جوانب حياتهم وتأمل من الطفل تحقيق إنجازات عالية، وتهتم بإنجازات الطفل أكثر من مشاعره. قد ينتج من هذة التربية أبناء مطيعين ذو إنتاج أكاديمي مبهر ولكن في مقابل هذة النتائج تتأثر علاقة الأولاد بوالديهم، ويعانون من القلق، والخوف من الفشل، وضعف في مهاراتهم الاجتماعية.
- التربية الحازمة (Authoritarian): وهي التربية العادلة التي من خلالها يستطيع الطفل أن يتواصل مع والديه بطريقة إيجابية لأنها تهتم بمشاعر الطفل مع ذلك هي لا تهمل الحدود المفروضه على الطفل فتتعامل مع اخطائه بحزم. ينتج من هذة التربية أطفال ذو ثقة عالية بالنفس، ومهارات اجتماعية ممتازة، وعلاقة وثيقة مع الوالدين أُسست من الصغر.
- التربية المتساهلة (Permissive): هم أصدقاء أبنائهم ليس هناك حدود للطفل، ولا تتعامل مع أخطائهم بشدة فهي تهتم لمشاعر الطفل أكثر من اهتمامها بتقويم سلوكه. ينتج من هذة التربية أطفال غير مسؤولين، لا إنجازات أكاديمية تذكر، لا رادع لهم ولا أساس يلتجؤون إليه للتحقق من صواب أفعالهم.
- التربية المهملة (Uninvolved): يوفرون حاجات الأطفال الأساسية مثل المأكل والمسكن ويهملون جميع الجوانب الأخرى. لا يأملون من أطفالهم أي شيء ولا يفكرون كثيراً في ذلك. ينتج من هذة التربية -وإن صح تسميتها تربية- أطفال بأمراض نفسية، ولديهم نقص في الثقة والأمان، ضعف مستوياتهم الأكاديمية، غير مسؤولين، علاقاتهم الإجتماعية سيئة.
وقد اتفق علماء التربية على أن التربية الحازمة هي أفضل الأنواع، وقد تختلف التربية لكل طفل عن الأخر في العائلة الواحدة وذلك لعدة عوامل أهمها الحماس في البداية، الثقافة والإطلاع، الخبرة، كثرت المسؤوليات.. الخ.
ولكن ما علاقة ذلك بفرط التربية؟ وأين هو من هذة الأنواع؟ فرط التربية لا يتعارض مع أياً منها -ما عدا التربية المهملة طبعاً لإنعدام وجود الاهتمام من الأساس- بل يكون عامل إضافي يختلف باختلاف الأهداف. فمثلاً فرط التربية في التربية السلطوية والحازمة تعني أن الوالدين يعملون جاهدأ أن يحصل الطفل على ما يردونه هم ويضعون أهدافاً ويمضون قدماً لتحقيقها. أما التربية المتساهلة فهم من يعملون جاهداً لكي يحصل الطفل على ما أراده هو. وفي كل الحالات يتدخل الأباء بشكل مفرط يؤدي إلى إنقلاب أهدافهم تماماً وفساد الطفل. ومن آثار الإفراط في التربية كما وصفتها مقالة قرأتها:
- نقص الثقة وقل تقديرالذات.
- غير قادر على التكيف مع التغيرات.
- قلق.
- شعور عالي بالاستحقاق.
- جاهلين في المهارات الأساسية الحياتية.
نتائج مخيفة قد تختلف عن نتائج الاهمال ولكنها تتشابة من ناحية أنها نتائج غير مرضية وأطفال غير سعيدين. الحل برأي المختصيين أن نجعل الطفل يتعلم من اخطائه أن نجعله يعاني من نتائج قراراته أن نجعله يؤدي المهام التي يسمح له عمره بالقيام بها ونصبر عليه إلى أن يُتمها ويتقنها. علينا أن لا نتدخل دائما بل نختار الأمور التي نتدخل بها بعناية وهي الأمور التي تساعده على النمو واكتساب مهارات تفيده لا تقيده. بالنهاية أرى أن الخيار الأنسب والذي يجب أن نضع نصب أعيننا عليه هو خيار التربية الحازمة العادلة مع إعطاء أبنائنا مساحة لأباس بها من حرية تفيدهم لا أن تفسدهم.
As parents, we have a very difficult job. We need to keep one eye on our children now—their stressors, strengths, and emotions—and one eye on the adults we are trying to raise. Getting them from here to there involves some suffering, for our kids as well as for us
Dr. Gilboa
مصادر:
