أرشيف الأوسمة: #ذاتي

حياة مليئة بالتوقفات والمشاريع غير المكتمله

{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}

قبل أيام أتمت ابنتي سبع سنوات وفق التقويم الهجري، اخبرتها بذلك وعبرت لها عن حماسي الشديد لنصلي معًا كل يوم. لا اعلم ما الفتوى في ذلك وهل يجب عليها أن تصلي جميع الصلوات أم ان التكليف يكون عند بلوغها. ولكن قرأت قبل فتره أن من سبع سنوات إلى عشر سنوات هي فترة التدريب لتلتزم بأداء الصلوات وحدها. لذلك بدأنا ببعض الصلوات وليس كلها. هدفي في هذة المرحلة تحبيبها في الصلاة وحرصها لتلبية النداء عند الآذان، أما اتقان الصلاة فهي تعرف أركانها ولكنها لا تتقنها بصوره كاملة. لا مشكلة سيكون معنا ثلاث سنوات نتدرب حتى تتقنها.

هل ذكرت لكم أن أطفالي يهذبونني في التربية أكثر من تهذيبي لهم؟

تجبرني الأمومة على الخروج من منطقة راحتي. أما المدارس والعلاقات الاجتماعية تختبر مبادئي في التربية. أدركت في الفترة الآخيرة أن بعض المشاكل التي تحدث مع أطفالي يكون حلها في تغير طباعي والتخلي عن بعض المعتقدات التي تحتاج إلى مدينة فاضلة لتطبيقها. نحن غير مثاليين وسنربي أطفالًا غير مثاليين في عالم غير مثالي، سعينا المستميت لتطبيق الأفكار التربوبية المثالية مرهق وغير عملي في بعض الأحيان. من الحكمة التنازل وموازنة الأمور.

قيل لي أن الامتيازات للعائلة المغتربة أكثر من العائلة المستقرة مع “جماعتهم” في نفس المدينة، فهم يستطيعون السيطرة على أولادهم فالقوانين واضحة والتدخلات معدومه، و مقارنة الأقران مصطلح يسمعون به ولا يعيشونه. ألغيت الأطراف الخارجية ولكن الجانب الاجتماعي كله ألغي معها. لن تنتبه الأم لذلك في عمر الطفل المبكر، حتى يبدأ يتفاعل طفلها مع من حوله. يجب على الأم هنا أن تدرك أن مجتمع أطفالها سيكون من مسؤوليتها وحدها فيجب عليها أن تبني علاقات اجتماعية لتكون صداقات طفولة لهم.

كذلك عند عودتهم لأهلهم واجتماعهم مع أقرانهم ستلاحظ فجوة في العلاقات قد تكبر كلما ازدادوا بالعمر خصوصًا اذا كانت بين الأقران لقاءات اسبوعية وهذا طبيعي جدًا. ولحسن الحظ أنها من المشاكل التي تستطيع أن تتفادها مبكرًا لذا وجب على الأم أن تحرص على التواصل اليومي أو شبة اليومي بينهم خصوصًا من خلال الاتصالات المرئية. أما الخروج من المنزل بشكل يومي للحدائق فهو ضروري وليس رفاهية، لأنها تخلق تفاعلات مع المجتمع الخارجي لا يمكن لنا تعويضها في البيت. وقد تعوضهم جزئيًا عن التفاعلات التي تفتقدها العائلة المغتربة البعيدة عن أهلها.

أما أنا فعلى غيري عادتي السنوية لم ابتع هذا العام أجندة،ولعل الخيرة في هذا الموضوع هو اكتشافي أن شراءها كل سنة لم يكن هدرًا للمال. بدأت حياتي في غاية العشوائية، تبدو المهام عائمة في عقلي! افتقدت القوائم المرتبة. حاولت كثيراً أن انتقل للأجندة الالكترونية، ولكن في كل مرة اضطر لاستعمال ورقة خارجية لأرتبها في البداية قبل أن اسجلها الكتروني! لذا اتجهت للبحث مجددًا عن أجندة جديدة، أحب Passion Palnner واستعملتها أربع سنوات متتالية ولكن حياتي الآن أهدأ وأبسط من تقسيماتها الكثيرة.

لا افك أن اذكر لمن حولي أنني أعاني من حبسه القارئ، آخر كتاب قراءته كان إعادة قراءة لكتاب قديم مع مجموعة قرائيه! أحاول العودة بشتى الطرق اشتركت مع مجموعتين في نفس الوقت بمبلغ مادي لإضافة دافع للقراءة، ولكني لا استطيع أن انهي الكتاب. لدي الآن أكثر من خمسة عشر كتاب معلقًا لم أقرأ منه سوى بضع صفحات. اعترتني هذة الحبسة منذ أكثر من سنة ولا أزال حبيستها. غير أنها لم تطل رغبتي في شراء الكثير من الكتب فتراكمت الكتب الجديدة في مكتبتي وكأنها تتهكم علي. عزائي في هذا أنني لم أتوقف عن القراءة لأطفالي أبدًا فكان لهم نصيب الأسد من معرض الكتاب هذا العام. أحب قراءة واستعراض قصص الأطفال وهذة من الجوانب التي لم أكن اتخيل أن اهتم بها قبل الأمومة. لا تختلف هذة المشاعر عن ما نحس به حين نتصفح كتب لأنفسنا. أقرأها وأرى إن كانت تناسب قيم الدين الاسلامي وقيم المجتمع وعائلتنا الصغيرة. ابحث عن الكتب التي تستعرض المشاكل التي نتعرض لها ثم اسألهم عن منظورهم للقصة وما هو رأيهم بتصرف البطل. بعض القصص لا يعجبني تصرفه فأقرأها لهم وأبين أن هذا التصرف خاطيء ونحاول أن نجد حلول بديله. أحب هذا الوقت جدًا وأضع أمام عيني أن هذة كلها ذكرياتهم وأن هذا ما سيبقى مني لهم بعد فترة من الزمن فأحاول أن أحسن.

قد تكون الحبسه هي سبب انقطاعي هنا كلما أكثرت من القراءة كلما زاد مخزوني وزادت رغبتي في التعبير. كما أن هذة الأيام تبدو فيها فكرة العيش وممارسة الحياة الطبيعة ضربًا من جنون، لا يحتمله قلب لا يؤمن بقضاء الله وقدره. مشاعري غدت أشبه بأفعوانية، لا اعلم ما ينتظرني في كل لحظه. تاره اقوم بواجباتي بحزم وتاره بعطف وحنو، أقفز كالمجنونة بين عدة أمور اتخذتها لنفسي وما ألبث حتى اترك كل شيء وانسحب ببطء لفراشي؛ حين تعتريني نوبة بكاء أعلم سببها. وهذا ما ينخر قلبي ويضعف قواي انني لا أملك من الأمر شيء سوى التسليم لقضاء الله وقدره. ثم احاول أن اكمل يومي كما كنت ولكني اقف في كل لحظة واتسأل: هل ما يحدث حقيقي فعلاً!

كتبت هذة التدوينة كمصافحة اعتذار، سأحاول جاهده العودة مجددًا. ادعوا لأحبابي بالصحة والشفاء ولأولادي بالصلاح والهداية.

استعادة الهدوء: دور الغروب في تقليل التوتر

قبل يومين خرجت في مهمة طارئة قبيل المغرب؛ أي في ساعة ذروة مهام الأمومة في بيتي. ولحسن حظي أخذ مني المشوار ما يقارب ثلاثاً وعشرين دقيقة، قضيتها كلها في مشاهدة غروب شمس ذلك اليوم. عندها آمنت أنني أحب الغروب كثيراً. أدركت ذلك عند لحظة الصفاء التي توقف فيها ذهنٌ لا يكل من تكرار المهام المتبقية والوقت اللازم لتنفيذها. كنت أراقب غروب الشمس فقط. ولفرط شعوري بالراحة والهدوء قررت أن أبحث عن ما حدث منذ لحظات؟! كنت قد قرأت منذ فترة عن تأثير الطبيعة على الإنسان ولكن أريد أن أعرف ما علاقة غروب الشمس خصوصاً بهذه السكينة. وجدت لها عدة تفسيرات:

بالطبع أولها هي ألوان الغروب المنتشرة في الجو حين تصبغه بصبغتها الدافئة. تتدرج هذه الألوان بين الوردي والأحمر والبرتقالي وتتميز بتأثيرها المهدئ على الدماغ فتبعث في النفس الشعور بالدفء والمحبة. هذا الشعور قادر على جلب ذكريات مرتبطة بهذه المشاعر مما يعزز الإحساس بها. وهذا كله مثبت في دراسات كثيرة في علم النفس اللوني وعلم النفس العاطفي. تؤكد هذه الدراسات أن ذكريات الأماكن والمناظر التي تثير المشاعر الإيجابية تُخزن في الذاكرة طويلة الأمد. فمن هذه الذكريات مثلاً مشاهدة غروب الشمس لأول مرة في مرحلة الطفولة؛ الذي أعطى معنى وجمال لهذه الظاهرة فخزن في الذاكرة طويلة الأمد بحماس ودهشة الأطفال. استجلاب هذه الذكريات يجعلنا لا نمل من تكرار مشاهدة المناظر الجميلة، حتى وإن كان يتكرر يومياً مثل الغروب.

المديرة التنفيذية للجمعية الأسترالية لعلم النفس، زينا بورجيس، تؤمن أن غروب الشمس يصلنا بقوة عظمى تفوق القوة الإنسانية، فيؤدي ذلك إلى الهدوء والسكينة، وتعلل ذلك بنتائج الدراسات التي أثبتت أن الطبيعة تحفّز الجهاز العصبي الباراسمبثاوي المسؤول عن الاسترخاء، وتقلل من نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن التوتر. بالتالي التعرض للطبيعة بشكل عام له تأثير إيجابي على الإنسان، خاصة الإنسان الذي يعيش في بيئة مدنية خالصة، كمن يعيش في المدن الكبرى. فهي تساهم في خفض مستويات التوتر والقلق لدى الإنسان. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن المناظر الطبيعية تحسن المزاج وتقوي الذاكرة وتحسن من القوة الإدراكية التي تساعدنا في توجيه الانتباه والتركيز. الذي قضت عليه خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي.

تأثير الطبيعة علينا يبدأ مبكراً في عمر الطفولة ويمتد إلى أن نكبر. ففي إحدى الدراسات التي أُجريت على عدد من البالغين قُسموا فيها إلى مجموعتين، كانت المجموعة الأولى أعضاؤها نشأوا في بيئة طبيعية وكانوا يتعرضون للطبيعة أكثر من أعضاء المجموعة الثانية الذين نشأوا في بيئة مدنية. أظهرت النتائج أن المجموعة الأولى كانت أقل تعرضاً للاكتئاب من المجموعة الثانية بعد البلوغ. فكانت الدراسة توصي بالحرص على خروج الأطفال إلى الطبيعة بشكل دوري، مثل الذهاب إلى الحدائق والجبال والبحر وغيره؛ من أجل صحتهم النفسية. فلو حاول الوالدان تعويض نقص البيئة الطبيعية بتعريف أولادهم عليها من خلال الشاشات لن ينفعهم. فقد أُجريت دراسة للمقارنة بين تأثير مشاهدة صور للطبيعة (مثل نبتة) وتأثير مشاهدتها مباشرة في الطبيعة. كانت النتائج تدل على زيادة تركيزات الأوكسي هيموجلوبين في القشرة الجبهية الأمامية للدماغ أثناء مشاهدة النبتة في الطبيعة، وهذا لم يحدث أبداً خلال مشاهدة صور النبتة نفسها. ويدل هذا على أن الطبيعة لها فوائد فسيولوجية لنشاط الدماغ لا يمكن الحصول عليها من مشاهدتها خلف الشاشات.

الجانب الجيد أننا نستطيع أن نعوض البعد عن الطبيعة من خلال دمجها في حياتنا اليومية، مثل اقتناء النباتات الداخلية فهي تحسن من جودة الهواء وتقلل التوتر والإجهاد. تخصص وقت للمشي يومياً في الأماكن المفتوحة والتعرض لضوء الشمس في الأجواء اللطيفة. وبالطبع مراقبة غروب الشمس، فالغروب محفز طبيعي لحالة التأمل فهو فرصة للقيام بعبادة التأمل والتفكر في حسن خلق الله ودقته. وهو حلقة وصل بين الإنسان المدني والإيقاع الطبيعي للحياة؛ فيعزز شعور الانسجام مع الطبيعة. وقد يمثل للبعض جرعة تفاؤل في نهاية يوم منجز ومتعب فيعزيز الشعور بالامتنان، ويحفز التفكير العميق.

بين الشجر والجبل أجد نفسي

عندما يخرج المرء عن مساره وتتشتت أفكاره يلجأ إلى من يعيده للمسار ومن ينفض عنه تراكمات الأيام، أنا تعيدني الشجرة. في مقعدي داخل حديقتي بين أشجاري، يبدأ يخفت ضجيج الأفكار رويدا ًرويداً حتى يختفي. افرغ عقلي وقلبي من كل شيء احيط نفسي بألوان وأشكال الطبيعة حتى اصبح جزءًا منها، خضار الأشجار يحيط بي تتخلله أشعة الشمس الدافئة ويُكمل المشهد لون السماء الصافية. لا توجد كلمات لوصف ما اشعر به في تلك الأثناء لأن واقع تلك اللحظات مفرع تماماً من كل شيء. سكون وهدوء وطمأنينة، فيها يتوقف التسارع المجنون للأيام وتختفي قوائم مهام ممتده لأشهر. يقول موريس ميترلينك:

الأشجار هي الغاية الأساسية التي تمنح المتجول منا القدرة اللازمة على الصمود في وجه الحياة، وهي ما تمنحه الشجاعة، والحيوية، والرزانة والنصر الصامت والمثابرة.

ذكاء الأزهار – موريس ميترلينك

يقصد موريس ميترلينك حياة الشجرة كلها، أن يتدبر اللإنسان في نموها وطريقة تكيفها مع بيئتها وغيره من الحقائق المذهلة عن عالم النبات. يحثنا أن نتعلم ونكتشف ما سبقتنا إليه المخلوقات الحية التي سبقت وجودنا. فهو يؤمن أن كل الموجودات من أدوات وتصاميم اخترعها الإنسان هي في الأصل مؤخوذة من النباتات أو الحيوانات. أما أنا فأميل إلى الجانب الحالم هنا، وجود الشجر بحد ذاته يبعث كل هذا الشعور ويحثنا على عبادة التأمل في صنع الخالق تبارك وتعالى. فأنا أحيط نفسي بالأشجار الداخلية والخارجية.

اؤمن بتأثير الطبيعة على الأشخاص من مختلف البيئات، طبيعة مدينتي الأم جبلية كبرت وأنا انظر للجبل في كل حين. عند التنزة و عند التنقل داخل المدينة بل حتى من بيتي أراه شامخاً كل وقت. لذلك كان الانتقال إلى مدينة كبيرة خالية من الجبال أمر مربك في البداية. كنت لا أولي الأمر أهمية حتى قرأت أن هاروكي يخالجه نفس الشعور عند افتقاده الماء. اذكر في الفترة التي رافقت بداية انتقالي سألني شخص مقرب كيف لك أن تعيشي لفترة طويلة دون رؤية جبال؟ دهشت من السؤال لأني لم افكر بالأمر على هذا النحو أبداً. ما الذي سيتغير في حياتي بفقداني منظر الجبال المحيطة بمدينتي؟ هل المفقود هو الألفة التي صاحبتنا في نشأتنا؟ أم أنها الشعورالذي يبعثه المنظر المهيب لتلك التراكمات الحجرية الراسية؟ ما ماهية الشيء الذي يرشح مني أنا وهاروكي؟

رؤية كثير من الماء مثل هذا كل يوم هي بلا شك أمر مهم … لشخص واحد: أنا. فإن مر علي وقت دون رؤية الماء أشعر أن شيئاً يرشح مني ببطء. … وربما كان لنشأتي قرب البحر علاقة بذلك.

ما أتحدث عنه حين أتحدث عن الجري – هاروكي موراكامي

قالت لي صديقتي عن تجربة القيادة في مدينتنا الأم، أن الجبال تشعرها دائماً أن هنالك مفاجأة سارة خلفها. تشبة قيادتها ورؤيتها للجبال أمامها في حياتها فهي تسعى جاهدة فيها دون توقف وتردد سوف أمضي قدماً حتى أبلغ هذا الجبل وأرى ما خلفه. أما أنا فلا انظر إليه بأنه نقطة بلوغ أو وصول لهدف أراه آمان يحيط بنا وثبات يحث عزيمتنا.

ومن منطلق بنت الجبل فأنا لا أشعر بتأثير البحر الذي أقرأ واسمع عنه، فهو يثير في نفسي القليل من الهدوء والكثير من الخوف. لذلك فكرة الذهاب في رحلة كروز أمر لا استطيعه لأنني اعلم أن معظم الوقت سأكون في حالة تأهب وخوف. قد يكون السبب هو الاختلاف الجوهري بين الجبل والبحر، فالجبل ثابت على مدار آلاف السنين بينما البحر لا يؤتمن في تقلباته وأمواجه فهو اليوم ليس كالبارحة. كنت قد أنهيت قبل عدة أسابيع كتاب دموع الملح لبيترو بارتولو و ليديا تيلوتا مما أكد لي سبب خوفي من البحر، البحر في قصص الطبيب كان بوابة أمل مواربة. قد تفتح لك على مصراعيها وتنتشلك من جوع وموت وتنقلك إلى عالم آخر وقد تنغلق عليك وتبتلعك وترسلك إلى العالم الآخر، أو أسوأ من ذلك قد تبتلع كل فرد من عائلتك أمامك وتقذف بك وحيداً خارجها.

وقد يكون الاختلاف الذي فرق بين البحر والجبل هو المتشابهة بين الشجر والجبل مما وضعهما في مكانة متساوية عندي. فثبات الشجر مشابهة لثبات الجبل وإن تغيرت أحوالها خلال السنة فتغيراتها معروفه بل منتظره. وقد يكون هذا ما ابحث عنه في الجبال والأشجار عند خروجي عن المسار، لأن في تلك الأثناء اكون قد فقدت عنصر الثبات في حياتي فأسعى إلى ثبات من نوع آخر. أسعى إلى أن أعود إلى بعد فيزيائي ثابت أتيته في مختلف أحوالي ووجدته كما هو.

ماذا عنكم؟ ما هو عنصر الثبات في حياتكم؟

بين سحر التفاصيل الصغيرة ولعنتها

حين اشرع في كتابة تدوينة جديدة عني استحضر دائماً ما قاله أحمد أمين في مقدمة كتابه “حياتي”:

لم أتهيب شيئًا من تأليف ما تهيبت من إخراج هذا الكتاب. فإن كل ما أخرجته كان غيري المعروض وأنا العارض أو غيري الموصوف وأنا الواصف، وأما هذا الكتاب فأنا العارض والمعروض والواصف والموصوف، والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة. والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو أو صديق. أو بمحاولة للتجرد تم توزيعها على شخصيتين: ناظرة ومنظورة، وحاكمة ومحكومة، وما أشق ذلك وأضناه.
ومع هذا فكيف يكون الإنصاف؟ إن النفس إما أن تغلو في تقدير ذاتها فتنسب إليها ما ليس لها، أو تبالغ في تقدير ما صدر عنها، أو تبرر ما ساء من تصرفها. وإما أن تغمطها حقها ويحملها حب العدالة على تهوين شأنها فتسلبها ما لها، أو تقلل من قيمة أعمالها، أو تنظر بمنظار أسود لكل ما يأتي منها؛ أما أن تقف من نفسها موقف القاضي العادل، والحكم النزيه، فمطلب عز حتى على الفلاسفة والحكماء.
ثم إن حديث الإنسان عن نفسه — عادة — بغيض ثقيل، لأن حب الإنسان نفسه كثريًا ما يدعوه أن يشوب حديثه بالمديح ولو عن طريق التواضع أو الإيماء أو التلويح، وفي هذا المديح دلالة على التسامح والتعالي من القائل، ومدعاة للاشمئزاز والنفور من القارئ والسامع. ولذلك لا يستساغ الحديث عن النفس إلا بضروب من اللباقة، وأفانين من اللياقة.

من الصعب جداً أن أتكلم عما يختلج في نفسي. أصدق فيما أقول ولا أقول كل الصدق، فان أنا عرضت بعضه افكر في العواقب دائماً، ثم ما الفائدة المرجوه من نشرها؟ قد يكون تخفيف من عبء بعض الأفكار والتخلص لو فرضياً من ثقلها. وقد يكون نشر للتجارب الإنسانية للمؤازرة والإحساس باننا سواء على اختلافنا.

بالأمس سقطت في ضعفي البشري من جديد، لا استطيع الافصاح عن تفاصيل الحادثة لكن عزائي أنها مرت سريعاً دون أن أبحر عميقاً في تساؤلات لا جدوى لها. تعصف بي تلك الأفكار من جديد وأنا امسك مذكرتي الجديدة لعام 2024 م لأضع لها الخطوط العامة ليسهل انتقالي إليها في العام المقبل. ما الفائدة من كل هذا؟ اعيش حياة لا تشبهني ولا اعلم طريقة أخرى للوصول لما أريد، عراقيل تفوق قدرتي على تجاوزها ومزيداً من الاستسلام والضعف والعجزوالكثير من البكاء والخوف. اتنبه من تلك الحالة لأشكر الله على ما وهبني في حياتي وعلى ما أنعم به عليّ في سنواتي السالفة ولكن قلبي مثقل.

في هذة الأوقات دائماً احاول النظر في التفاصيل الصغيرة لأن جزءاً مني يُوقن أن الحياة تكمن في تلك التفاصيل. هل انتظاري لموائمة الظروف هو خطة محكمه أم محاولة سيطرة فاشلة. لدي الكثير من النظريات التي أؤمن بها والتي تخرجني نظرياً مما أنا فيه واعلم أنها طريق الراحة، ولكن تطبيقها أصعب من تحريك جبل من مكانه. أعود بين الفينة والأخرى واتسأل عن قراراتي، أهذا ذكاء مني أم غباء؟ اعيش بالرضا حيناً وبالضعف حيناً آخر.

كتبت ما كتبت وأنا افكر في هوية تدوينتي هذة، عن ماذا أريد أن اكتب وأيقنت آخيراً أن الارتجال هو ما استطيعه الآن. هذا التفصيل الصغير يستغرق من وقتي الكثير من التفكير والتخطيط. البحث عن الكمال في كل التفاصيل هو مقبرة الكثير من خططي ورؤيتي لما أريد الوصول إليه، ومعه تقتل متعة التجارب الجديدة. مؤخراً فقط استطعت التغلب على هذا الموضوع جزئياً وتقدمت خطوات بسيطة في ذلك. اطلقت مشروع واحد وفشل، حاولت أن اطلق أكثر من مشروع ثم أوقفهن في مرحلة التخطيط لأني لا اعلم كيف اوصله لمرحلة الكمال. أظن أن هذا هو هدفي القادم، القفز إلى تجارب جديدة دون تخطيط. قد اضعها في سلسة من التدوينات هنا.

من هذة التجارب مثلاً بدأت اتعلم بعض الأطباق التقليدية لأنني أريد لعائلتي الصغيرة أن تحضى بوجبة دافئة في برد الشتاء. في الآونة الأخيرة تغيرت ذائقتي أصبحت لا أحبذ الطبخ الحديث بالصوصات مثل كريمة الطبخ، لا استشعر الدفء فيها. لم أكن يوماً من محبات الطبخ ولم أجربه قبل الزواج -ما عدا الحلويات والكعك بالطبع- لكن الأمومة تدفعني لعمل شيء لا ارغبه بحب لأجل فقط أن اسمع “لذيذ يا ماما” بأصواتهم. وبدأت بـ”المرقوق” كانت ناجحة بنسبة 75%، اللحم ناضج تماماً الخضار مستوى استوائها مناسب لكني لم أتقن التكنيك في وضع رقائق العجين مما أدرى إلى التصاق بعضها. لكن المهم هو الطعم الشهي الذي وصلت إليه، وتذوق ابنتي للخضار بشهية لأول مرة. كانت من أعظم نجاحتي الأسبوع الماضي. الطبق القادم طبق خاص بمدينتي الأم، ازداد حماس كل يوم لتجربة طبخه.

مع اقتراب نهاية السنة أعيد التفكير بطريقة كتابة الأهداف وطريقة إنجازها وقياسها، لأني أصبحت مؤخراً أقيس إنجازي بالتفاصيل الصغيرة التي نغفل عنها غالباً لأن أعيننا تنظر للهدف النهائي متناسين كل ما حوله. ليس لدي أي فكرة حتى الآن عن الاستراتيجية الجديدة ولكن سأحاول ما بوسعي لمحاولة إيجاد طرق لتطبيقها. كنت قد كتبت عن الأجندة التي استخدمها وطريقتي فيها هنا لمن يريد الاطلاع عليها.

ما معنى حياتي؟ وما معنى كل هذا؟

قد يكتب الله عليك أمرًا كنت تظن أنه لن يحصل لك أبدًا، تظن جهلًا منك أن هذة القصص تصيب الناس حولك فقط وليس أنت. تسمع بها تتعوذ من شرور تقلب الأحوال والأقدار وتمضي. حتى يحدث لك أمرًا يستدعي منك التوقف ثم تعلم أنك عبد من عباد الله ماضي عليك حكم الله كما هو ماضي عليهم. المثل المشهور عن الكأس نصف الممتلئ وتقسيم الناس لمتفائل ومتشائم بناءً على أي جزء من الكأس وقع نظر الشخص عليه يثبت أن هناك جانبين في كل كأس وفي كل قصة. أرفض رؤية جانب واحد على الأخر، هناك جوانب متعدده يجب أن نراها جميعها ولا نهملها لنستطيع أن نحكم على الأحداث حكم صائب ونعيش بواقعية. وهذا يقودنا إلى تقبل ما قد يحدث مستقبلاً ونجهز أنفسنا لذلك. أقول هذا وأنا أخشى القرارات لأنني أحب أن اعرف عواقب الأمور وأخاف من إنقلاب الأحوال، أحب الروتين وأخشى التغير. وكأنني أحصن نفسي بهذا من الأذى ولكن هيهات قدرك سيصيبك شيئت أم أبيت. علمت أن عليّ أن أربي نفسي على تقبل ما كتبه الله لي. أن اختار الرضا كرمًا وحبًا وعلمًا واعلم يقينًا أن في هذا الأمر خيرة لي لا اعرفها. وتربية النفس هذة تبدأ من قبل وقوع الحدث لأن ردة فعل الإنسان عند المصائب تنبع من إيمانه واختلاف ردات فعل الناس للمصائب تأتي من اختلاف أساس يرتكزون عليه لذلك “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.

جهلاً من الإنسان رأى الموضوع من جانب آخر وأراد أن يتحكم بقدره. اعلم أن المصاب كالغريق يتمسك في أي قطعة خشب يراها ولكن هوس التحكم في الأقدار وجذب ما يريد الشخص ما هو إلا ضرب من جنون. المسلم العاقل المتدبر لكتاب الله يعلم أن خير البشر نفى عن نفسه القدرة على ذلك فأين هو من خير البشر! قال الله تعالى “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ“. هذة قاعدة يجب أن يأصلها المسلم في نفسه، لا يملك من أمره شيء إنما الأمر كله بيد الله ذو الجلال والإكرام.

ومن جهله أيضًا أنه يظن بنفسه القدره على استجلاب الخير واستحقاقه التام والغير قابل للشك في ذلك الخير، ورد الشر الذي يرأى أنه لا يستحقه عن نفسه! وكأن الابتلاء شر محض وقد قال الله تعالى “ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” وما هو إلا سنة من سنن الله في الخلق. ومن شروط هذا الإستحقاق أن يؤكد على نفسه كل يوم بتمام قدرته واستطاعته على الاعتماد عليها فقط -أي على نفسه- في ذلك! ويستطيع الإنسان الفطين أن يرى أننا في الأذكار نستعيذ من هذة النفس مرتين في اليوم كل يوم “أعوذ بك من شر نفسي” و “ولا تكلني لنفسي طرفة عين”. فأي استحقاق يتكلمون عنه، استحقاق يورد النفس مورد الهلاك والشر. ويظن أن العيش لا يحتمل إلا بوجود معنى لحياته! فلسفة غربية اتفهم سبب نشؤها بالغرب وانتشارها واستغرب من محاولة الإنسان المسلم أن يطبقها على حياته.

معنى حياتك كمسلم أن تعبد الله وأن تعمر الأرض بما يرضي الله، قال تعالى “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” الصلاة والذكر وقراءة القرآن هي كل من يهم في يومك كمسلم وهي الأساس، وأن ترعى الله في أمورك الدنيوية كإنجاز مهني أو دراسي. وليس العكس، أي أن نجعل الإنجاز والاحتفاء به مقدم على الطاعات والصلاة والأذكار وفي الحديث الصحيح “من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ” وهذا ما يربى عليه النشء. أن دينه دين كامل، يعلمه ويؤدبه ويسن له أسلوب حياة متوافقه من فطرته. ما بين أوامر ونواهي وابتلاءات واختبارات حتى يلقى ربه. وكم من حمل سيسقط وراحة بال سيستأنس بها إن تعلم الإنسان حدوده وأدرك يقينًا سبب وجوده وعرف أولوياته وعاش وفقًا لذلك كله.

كل ما كتبت كان خلاصة بحث وتجربة وقراءة، ومحاولة مستمره لتربية وتهذيب نفسي. قرأت كثيراً في فلسفة معنى الحياة وأرشح كتاب الأستاذ عبدالله الوهيبي “معنى الحياة في العالم الحديث”.

ضياء وإنطفاء

تتبدل الأيام وتتبدل أحولنا معها نتقلب بين حماس مشتعل وإنطفاء تام. قرأت قبل فترة تغريدة يتسأل صاحبها عن حقيقة وجود ضوء آخر النفق؟ فكانت إجابتي أننا نترقب الضوء في مكان خاطيء، الضوء بداخلنا لا بآخر النفق. وأؤمن أنه تعبير حقيقي وليس مجازي، بداخل كلاً منا سراج يضي له عتم الليالي والأيام الكالحة.

طبيعي أن تمر أيام نشتعل فيها ضياءً ننهي قائمة المهام اليومية ونعرج على المهام المؤجلة، نشعر بأن يومنا رائع ولو كان مليء بالصعوبات، بل نراها تحديات تزيدنا حماس. نُبدع في رؤية النعم المحيطة بنا، نمتلي فيها ضياءً و نعكسه على من حولنا. ثم تمر علينا أيام لا نستطيع فيها إشعال السراج فضلا عن انطفائه في المقام الأول. تكون الأيام معها صعبة ثقيلة لا نرى شيء على حقيقته، لا نرى شيئاً أبداً كل ما حولنا غارق في عتمة الظلام.

عند الإنطفاء كنت أجزع من الوضع الذي صرت إليه، أحارب بكل قوتي لإشعال السراج مجددا فأصبح أنا الفتيل الذي يحترق. دائما تفشل محاولاتي وتتفتت كآخر قطعة من فتيل اعتاد الإشتعال. فتطول مدة إنطفائي وإن عدت تكون عودتي بحماس أقل. حتى صرت أرى بوضوح لحظات انطفائي وضيائي أراه أمامي كرسم بياني بين صعود وهبوط. لاحظته أول مرة عند تقليبي لمفكرتي في قسم المراجعة نهاية كل شهر ميلادي، وهو عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي تتكرر كل شهر. تعلمت أنه كلما اشتد بي الضياء لزمتني أيام إنطفاء بعده ثم تعاود الكره مرات عدة. تعلمت أن لا أجزع عند انطفائي ولا أحارب المشاعر التي تجتاحني وقتها مثل الخمول والكسل لأني اعلم أنها تمثل نقطة إنطلاق جديدة.

الخروج من هذة الأيام يتطلب منا شجاعة اختيار الإنطفاء، يقتضى الأمر أن نستسلم فقط، ولا يعد الاستسلام هنا هزيمة بل بداية لانتصارات كبرى ومواجهة أقوى. فلماذا نخاف من الإنطفاء؟ هي مرحلة نريح فيها المحرك، هي مرحلة التزود بالوقود، مرحلة اكتشاف الذات والإنغماس في ملذات خاصة. وقد يكون هذا حافز رائع لمن يريد أن ينطفي للمرة الأولى، اكتشف وقودك. اسأل نفسك مالذي يساعد على إشعال فتيلك مرة أخرى؟ والقاعدة الرائعة هنا أن لكل منا وقود مختلف لسراجه، قد يكون وقت تقضيه مع العائلة أو قراءة كتاب أو الرسم أو طبخة جديدة أو التنظيف أو أعمال يدوية. اسمح لنفسك بالإنطفاء، اكتشف ذاتك وانغمس في ملذاتك.

خمسة أشهر من العيش ببطء

في تدوينة هيفاء 7 مايو ذكرت مفردة «البطء» التي تفكر فيها كل يوم بشكل جديد فابتسمت على الفور لأني اخترتها لتمثل كلمة العام في مفكرتي أو ما يعني الطابع العام لهذة السنة. اخترتها بعد أن قرأت كتاب «في مديح البطء» والتي أوصت به بشدة نوال القصير وأشكرها على توصياتها الرائعة دائماً. اتذكر جيدا طريقتي في قراءة الكتاب لا أعلم أهو من تأثير العنوان عليّ حيث كنت أتناول مواضيعه ببطء ولذة عجيبة أنا التي كنت التهم الكتب التهاماً!

في فصول حياتي السابقة كنت أكثر انشغالاً وتشتتاً مني الآن، مع ذلك كنت استطيع تقريبًا السيطرة على قوائم مهام بقدر معقول. أما الآن بعد الأمومة أجاهد في السيطرة على قوائم مهام لا نهائية ومترامية الأطراف بكل المجالات ولا استطيع. أنا لا افتقر للإسترخاء لأني استقطع وقت لا بأس به عند نوم أطفالي ولكن المهام هي ما تؤرقني فما زال يعيش في داخلي ذلك الهاجس الغير مبرر لأنهائها كلها بسرعة وكأن موعد نهائي محدد لكل مهمة ماثل أمامي ويطاردني. حتى المهام التي استمتع بها مع الصغيرين مثل الاستحمام كنت اضعه في مفكرتي كمهمة يجب الانتهاء منها!

بعدما قرأت الكتاب ذهلت ببساطة الفلسفة التي يؤمن بها الكاتب أي فلسفة البطء. وشعرت باستاء لأني اطبق قانون التسارع على كل المهام، وشعرت باستياء أكثر لأني لا أتممها ثم لا أشعر بالرضا التام عن ما فعلت. شعور متواصل من تدني الإنتاجية وسوء التنظيم يطاردني كشبح. وهذا ما يحاول الكاتب أن يلفت نظرنا إليه ربط السرعة بالغضب.

هذا ما يقودنا إليه وسواس السرعة وتوفير الوقت. إلى الغضب في الطريق، والغضب في الأجواء، والغضب عند التسوق، والغضب في المكتب، والغضب في الإجازة، والغضب في صالة الرياضة. وبفضل السرعة، بتنا نعيش عصر الغضب.

في مديح البطء، كارل أونوريه

قررت الهدوء وإعادة كتابة قوائم المهام التي تطفو أمامي دائمًا وتشعرني بتدني إنتاجيتي لأني لم أتمها. وضعتها في قسم خاص بها آخر المفكرة كما أفعل بداية كل سنة عند اقنتائي مفكرة جديدة. خصصت بعضها لي وبعضها لزوجي وبعضها مهام مشتركة، نقوم بها سوياً أو يقوم بها شخص يكفي عن الآخر. المفارق في الموضوع أننا بدأنا بإنجاز هذة المهام هذة السنة مع أن هذة القوائم نفسها كانت تنتقل معي وتتضاعف على مدار السنوات السابقة. الاختلاف كان في فلسفتي في إنجاز المهام.

حين نخوض الحرب على عبادة السرعة، تكون خطوط القتال الأمامية داخل رؤوسنا. فسيظل التسارع الإعداد الإفتراضي حتى تتغير مواقفنا. علينا أن نتعمق أكثر. أن نغيّر الطريقة التفكير بها.

في مديح البطء، كارل أونوريه

حاولت أن افكر في الفلسفة الجديدة عند تحديد أهداف هذة السنة وكانت النتيجة مرضيه كأول محاولة للتغير. كما أن مخطط ال Passion Planner الذي ذكرته في تدوينتي السابقة ساعدني على تطبيق الفلسفة بسهولة. اعترف أنني فشلت في تحديد أحد هذة الأهداف ضمن فلسفة البطء وهو عدد الكتب التي أريد قراءتها هذة السنة. العدد كبير على الفلسفة الجديدة ولكن بعض الأمور تكون ضاربة في الجذور لا تتغير بسهولة. فلا بأس بالمرونة وبعض التنازلات.

في النهاية كشف الكاتب عن سر النجاج الذي تملكه حركة البطء، بأنها تروّج المتعة. أي أن مبدأ فلسفة البطء هو قضاء الوقت الكافي لإنجاز الأمور بالشكل الصحيح، وكذلك التمتع بها أكثر. وهذا ما لمسته واقعاً هذة السنة، فمع انقضاء خمسة أشهر من هذة السنة استطيع أن أجزم أنها فلسفة رائعة. فمعظم الأهداف أُنجزت، كما أنني استمتعت بالرحلة. والمؤشر الرائع لنجاحها هو اختفاء مؤقت العد التنازلي الذي كان ماثل أمامي طوال الوقت جنبا لجنب مع قوائم المهام اللامنتهية.

أنا ونحن الأخريات

لا أعلم لماذا ترعبني فكرة أن اكتب تدوينة! أن افتح المحرر واكتب بكل بساطة ما يراودني، من السهل عليّ صياغة تغريدة في تويتر ثم رفع منشور على “انستقرام” والخيار الأخير المرعب هو أن اكتب تدوينة هنا. يطاردني دائماَ هاجس الكمال والفائدة، لماذا اكتب؟ من سيقرأ؟ من سيستفيد من هذة التدوينة؟ واسئلة أخرى أخاف إن ذكرتها وأسهبت أن اقفل المحرر ولا اكمل الكتابة.

طرق عنوان التدوينة عقلي وأنا اتقلب محاولة لإستنجاد النوم بأن يطرد أفكاري ويريح عقلي وعلى نحو غير مسبوق تمنيت أن يتأخر النوم قليلاَ وأمضيت ليلي في تفكر واشتياق. اشتاق كثيراً لأنا سابقة ويطول ليلي أفكر فيها كيف كانت تفكر؟ وماذا أرادات أن تكون؟ وأين هي الآن؟ هذا لأني اجزم أني لست هي، هي أقرب لي من نفسي فأين ذهبت؟ ويكرر علي الطنطاوي كثيرا هذة الفكرة فيقول:

” نحن في تبدل مستمر، كل يوم يموت فيّ شخص ويولد شخص جديد، والميت أنا والمولود أنا: خلايا جسدي تتجدد كلها كل بضع سنوات حتى لا يبقى منها شيء مما كان. عواطف نفسي تتبدل، فأحب اليوم ما كنت أكره بالأمس وأكره ما كنت أحب. أحكام عقلي تتغير، فأصوب ما كنت أراه خطأ وأخطئ ما كنت أجده صواباً.

فإذا كانت خلايا الجسد تتجدد، وعواطف النفس تتغير، وحكم العقل يتبدل، فما هو العنصر الثابت الذي لا يتبدل ولا يتغير؟ أقول “قال لي عقلي” و “قلت لنفسي”، فمن أنا -إذن- إذا كان عقلي غيري فأقول له وكانت نفسي غيري فتقول لي؟ – عليّ الطنطاوي

والحقيقة أني لا املك جواباً وإن كان يقول الشيخ أن العنصر الثابت هو “الروح” في نهاية هذا الاقتباس من كتابه الذكريات -الجزء الأول-.

تغريني فكرة فتيات الأصابع التي ذكرتها الكاتبة إليف شافق في كتابها “حليب أسود” فمنذ قرأته وأنا لا ازال افكر في فتياتي الصغيرات، على الرغم من إن أليف ترى أن الفتيات يتواجدن في نفس الوقت وأن الشيخ علي يرى أن الأنا متغيره بتعاقب الزمان. أما أنا لا أرى تعارض بين الفكرتين، فأنا ونحن -أعني فتيات الأصابع- متغيرات بتعاقب الزمان وهذا لا خطب فيه ولا ضير.