بعد كتابة تدوينتي السابقة فكرت كثيراً في كتاب قراءته قبل سنتين وهو رواية “نعاس” للكاتب هاروكي موراكامي. اتذكر عند البدء بقرائتها لم أجد فيها ما يجذبني حقاً. وقعت عليها صدفة وكنت أنوي منذ زمن البدء بقراءة روايات الكاتب الياباني الشهير. وكانت النعاس أول مصافحه بيننا. الكتاب صغير جداً لا يتجاوز ال 90 صفحة قرأته في جلسة واحدة، ولم يكن حجم الكتاب السبب الوحيد لذلك. اندمجت مع الشخصية الرئيسية التي فقدت القدرة على النوم بشكل مفاجئ. كنت مشدوهه بتلك الفكرة وفكرة القدرة على استغلال جميع ثواني حياتك لفعل ما تريد. حتى وصلت نهاية الكتاب وأظن أنني استطعت أن افهم رمزية الرواية.
اتذكربعد أن أنهيتها توجهت مباشرة إلى تطبيق قودريدز على هاتفي لكتابة مراجعة* عن الكتاب. كنت أتمنى أن أوصل أفكاري ومشاعري في تلك اللحظة وكانت هذة المراجعة:
لعلي وجدت روايتي المفضلة!
على مدى سنوات قراءاتي كلها لم تمسني رواية بشكل شخصي كما مستني هذة الرواية ❤️ ولعلي وجدت سبب لمحبي هاروكي موراكامي.
هنا في النعاس الأمر أعمق بكثير من امرأة فقدت النعاس والقدرة على النوم. هنا في النعاس وجدت امرأة اختارت طريق الأمومة والزواج وانغمست في مسؤولياتهم إلى أن نست نفسها في سبيل نجاح وراحة أسرتها الصغيرة. ولكنها حافظت ممارسة الرياضة التي كانت تمارسها بحب قبل أن تلتزم بتلك المسؤوليات. فساعدتها الرياضة في إعادة الصلة بنفسها القديمة. وهذا دليل مهم على أن الشخص الذي رأته في الكابوس وكان السبب في فقدها القدرة على النوم كان بالحقيقة هي نفسها. ولمن لم يقرأ الرواية، البطلة قد رأت في الحلم أن “عجوزًا يرتدي لبس رياضي” يسكب عليها ماء لا ينضب من إناءه الفخاري. والماء هنا هو رمزية للوقت الذي زاد بأيامها واتسعت فيه حياتها عندما فقدت القدرة على النوم فاستفادت من كل تلك الساعات المهدرة بالنوم. وقد ذكر هاروكي في الرواية منام صديقتها التي فسرته بالقلق ونلاحظ وجود “العجوز” كدلالة به على صاحب المنام .
ولعلي هنا أميل إلى أن النعاس والنوم لم يكن الوضع الفسيولوجي الطبيعي، بل كانت غفلة تعيشها البطلة ثم تنبهت منها بعد الكابوس. اتسعت حياتها وأعطت نفسها حقها وأحبتها وقد ذكرت ذلك البطلة في الكتاب. فالأم في وقت من الأوقات قد تفقد نفسها بكثرة المسؤوليات وبتقديم أفراد عائلتها على نفسها. في الرواية وبعد اتساع حياة البطلة واكتسابها الوقت الذي كانت تقضية في النوم لممارسة ما تحب، لم تتأثر مسؤولياتها كأم وزوجة في بداية الأمر. لم يتغير شيء. لكن فقدان النعاس وفقدان القدرة على النوم هو أمر غير طبيعي، ففي النهاية تمكن منها النعاس واستسلمت له. وذلك بعد أن جلست في سيارتها وحيدة ثم قام شخصان بهز السيارة حتى وقعت في النوم. هنا ربطت بين الشخصين ومسؤولياتها كأم وزوجة. أي أن هذة المسؤوليات تمكنت من هز كيانها كامرأة مثلما هز الشخصان السيارة مما أدى إلى عودتها تدريجيًا إلى النعاس والغفوة. الجدير بالذكر أن البطلة كانت تقاوم وبذلت الأسباب كيلا تنام ثم استسلمت في الأخير.
قرأت هذا الكتاب وخرجت منه بهذة النظرة وأنا أرى أن الأمومة والتربية من أمتع وأصعب المسؤوليات التي التزمت بها في حياتي. قولي أن الرواية مستني بشكل شخصي لا أعني به نظرة سلبية عن الزواج والأمومة.على العكس تماماً فأنا أرى أن الحنين إلى نفسك القديمة هو تطور طبيعي ولحظة إدراك من الأم بطبيعة المسؤوليات الجديدة الملقاه على عاتقها. بالمناسبة أنت تتعلم إدارة هذة المسؤوليات بالخبرة. بدون خبرة أنت لا تملك أي فكرة عما يحدث حولك مهما كنت مستعدًا قبل ولادة طفلك، مما يضاعف شعور التية والقلق. اذكر عند كتابة هذة التدوينة كانت ابنتي تتم عامها الأول وكنت أمر بلحظة التية هذة.
هذة الأيام أعيش مع ابنتي تجربة الطالبة المستجدة، تدرس الآن في أولى ابتدائي. خلال تبضعنا قبل بداية المدارس عشت اللحظات من منظورها هي ومنظور والدتي، أتذكر شعوري عندما كنت في عمرها. لا استرق منها لحظاتها ولم اتكلم عن تجربتي أمامها. بل اصف ما اعيشه خلف كواليس حياتها، أرى في نظراتها الحماس والخوف والترقب وبشكل غريب استطاعت ذاكرتي أن تسترجع كل أحداث أول يوم دراسي لي. أراني في ابنتي وأرى والدتي فيني. ولم استغرب هذا الشعور فقد بدأت أشعر به منذ بدأت تعبرعن نفسها، ولكنه جلياً وقوياً هذة الأيام. لا اعلم ما السبب في ذلك. هل لحبي الشديد للمدرسة علاقة؟ أم أن ذكرياتي مع والدتي كلها عن المدرسة؟
بعد نهاية الأسبوع التمهيدي وخلال أول يوم دراسي حقيقي لها صفت في الطابور لأول مرة عندها اجتاحتني نوبة بكاء. سعيدة جداً لأجل ابنتي وعرفت أخيراً سبب قوة هذا الشعور. ها نحن أخيراً نلتقي في مسار الذكريات، استطيع أن استرجع ذكرياتي وإحساسي في نفس المواقف التي تعيشها هي الآن. “أنا استطيع فهم ابنتي أكثر فهي تصنع ذكرى وأنا استرجعها” أصبحت هذة الفكرة تلازمني لأيام ، كانت سبب خفي للبهجة.
تدور حياتي هذة الأيام حول إيجاد روتين مناسب يسمح لنا أن نعيش حياة متوازنة بين الدراسة والترفية. يدور عقلي في متاهة قوائم لا تنتهي وسعيدة بهذا جداً. أحاول إعادة رسم خطة لمساري المهني الذي مر بتوقف مؤقت، بدأت العمل على مشروع شخصي وابحث عن مهارات جديدة اقضي وقتي في تعلمها. وصاحب كل هذة التغيرات قراري بإلغاء وقت الشاشة لأطفالي خلال أيام الأسبوع والإكتفاء بساعة يومية نهاية الأسبوع. فأضاف هذا مجهوداً ليس يسيراً لاشغالهم. عسى أن يكون هذا المجهود مؤقت حتى يألفون هذا النظام. أما الآن فأنا أشعر وكأنني بهلواني يحاول أن يوازن كراته في وقت واحد، قد ينجح بذلك أو قد تسقط كل الكرات.
قالت صديقة قبل عدة أيام أنها تحب أن تتأمل في حياتها وكيف غيرتها الأمومة من “شخص فرداني” لشخص يعطي كل وقته لأطفاله بحب ولا يبقى لها من يومها ما يكفي. وكشخص “فرداني” سابقاً وقع كلامها موقع عميق في نفسي فأنا ذاك الفتى. كنت شخص مسؤول فقط عن دراسته، حققت أقصى ما يمكن تحقيقه خلال سنواتي الدراسية كلها. حققت المراتب الأولى في الثانوي ثم البكالوريوس ثم الماجستير. كُرمت بأكثر من محفل وسمعت الكثير من التنبؤات عن مستقبلي المهني الحافل. ثم أصبحت أماً ووضعت جل طاقاتي لهم. فأنا أُكثر من التأمل في التفاصيل الدقيقة، جميع حواسي مستيقظه طوال الوقت. تمر علي المواقف اليومية كمشهد سيريالي، أرى المواقف بعيونهم الصغيرة واتصورها كما تتصورها مخيلتهم الكبيرة واسترجعها كذكرى قديمة لهم. يحدث كل هذا في نفس الوقت الذي اعيش به هذة المواقف. لطالما كنت الفتاة ذات الحس العالي لمن حولي ولكن هذا الاحساس تضاعف حتى فاض مني مع أطفالي.
تصحبني الكتب الصوتية هذة الأيام، للتو أنهيت رواية أوراق شمعون المصري مع مجموعة قراء رائعين. تناولت الرواية قصة بني اسرائل مع نبي الله موسى. اعتقد أن القصص بها كثير من الاسرائليات التي لا نصدقها ولا نكذبها. أحببت فيها السرد البسيط الممتع الذي يناسب أيامي المزدحمة. أحاول مصالحة الكتب الورقية هذة الأيام واخترت كتاب الجوع إلى الأمومة. تشرح فيه الكاتبة ما الذي يعانيه الشخص إذا فقد العلاقة مع أمه، أو كنت العلاقة سيئة. تشرح فيه الآثار المترتبة على هذا الفقد وكيف يتم معالجته. ثم تعطي نصائح للأمهات لتجنب هذا الوضع مع أطفالهن. قرأت المقدمة فقط لا اعلم إن كنت أوصي به بعد ولكن الموضوع جيد ويستحق أن يقرأ عنه. واعتقد أنه مناسب لهذة التدوينة، قد أعود لاكتب عنه هنا إذا أنهيته.
عندما يخرج المرء عن مساره وتتشتت أفكاره يلجأ إلى من يعيده للمسار ومن ينفض عنه تراكمات الأيام، أنا تعيدني الشجرة. في مقعدي داخل حديقتي بين أشجاري، يبدأ يخفت ضجيج الأفكار رويدا ًرويداً حتى يختفي. افرغ عقلي وقلبي من كل شيء احيط نفسي بألوان وأشكال الطبيعة حتى اصبح جزءًا منها، خضار الأشجار يحيط بي تتخلله أشعة الشمس الدافئة ويُكمل المشهد لون السماء الصافية. لا توجد كلمات لوصف ما اشعر به في تلك الأثناء لأن واقع تلك اللحظات مفرع تماماً من كل شيء. سكون وهدوء وطمأنينة، فيها يتوقف التسارع المجنون للأيام وتختفي قوائم مهام ممتده لأشهر. يقول موريس ميترلينك:
الأشجار هي الغاية الأساسية التي تمنح المتجول منا القدرة اللازمة على الصمود في وجه الحياة، وهي ما تمنحه الشجاعة، والحيوية، والرزانة والنصر الصامت والمثابرة.
يقصد موريس ميترلينك حياة الشجرة كلها، أن يتدبر اللإنسان في نموها وطريقة تكيفها مع بيئتها وغيره من الحقائق المذهلة عن عالم النبات. يحثنا أن نتعلم ونكتشف ما سبقتنا إليه المخلوقات الحية التي سبقت وجودنا. فهو يؤمن أن كل الموجودات من أدوات وتصاميم اخترعها الإنسان هي في الأصل مؤخوذة من النباتات أو الحيوانات. أما أنا فأميل إلى الجانب الحالم هنا، وجود الشجر بحد ذاته يبعث كل هذا الشعور ويحثنا على عبادة التأمل في صنع الخالق تبارك وتعالى. فأنا أحيط نفسي بالأشجار الداخلية والخارجية.
اؤمن بتأثير الطبيعة على الأشخاص من مختلف البيئات، طبيعة مدينتي الأم جبلية كبرت وأنا انظر للجبل في كل حين. عند التنزة و عند التنقل داخل المدينة بل حتى من بيتي أراه شامخاً كل وقت. لذلك كان الانتقال إلى مدينة كبيرة خالية من الجبال أمر مربك في البداية. كنت لا أولي الأمر أهمية حتى قرأت أن هاروكي يخالجه نفس الشعور عند افتقاده الماء. اذكر في الفترة التي رافقت بداية انتقالي سألني شخص مقرب كيف لك أن تعيشي لفترة طويلة دون رؤية جبال؟ دهشت من السؤال لأني لم افكر بالأمر على هذا النحو أبداً. ما الذي سيتغير في حياتي بفقداني منظر الجبال المحيطة بمدينتي؟ هل المفقود هو الألفة التي صاحبتنا في نشأتنا؟ أم أنها الشعورالذي يبعثه المنظر المهيب لتلك التراكمات الحجرية الراسية؟ ما ماهية الشيء الذي يرشح مني أنا وهاروكي؟
رؤية كثير من الماء مثل هذا كل يوم هي بلا شك أمر مهم … لشخص واحد: أنا. فإن مر علي وقت دون رؤية الماء أشعر أن شيئاً يرشح مني ببطء. … وربما كان لنشأتي قرب البحر علاقة بذلك.
قالت لي صديقتي عن تجربة القيادة في مدينتنا الأم، أن الجبال تشعرها دائماً أن هنالك مفاجأة سارة خلفها. تشبة قيادتها ورؤيتها للجبال أمامها في حياتها فهي تسعى جاهدة فيها دون توقف وتردد سوف أمضي قدماً حتى أبلغ هذا الجبل وأرى ما خلفه. أما أنا فلا انظر إليه بأنه نقطة بلوغ أو وصول لهدف أراه آمان يحيط بنا وثبات يحث عزيمتنا.
ومن منطلق بنت الجبل فأنا لا أشعر بتأثير البحر الذي أقرأ واسمع عنه، فهو يثير في نفسي القليل من الهدوء والكثير من الخوف. لذلك فكرة الذهاب في رحلة كروز أمر لا استطيعه لأنني اعلم أن معظم الوقت سأكون في حالة تأهب وخوف. قد يكون السبب هو الاختلاف الجوهري بين الجبل والبحر، فالجبل ثابت على مدار آلاف السنين بينما البحر لا يؤتمن في تقلباته وأمواجه فهو اليوم ليس كالبارحة. كنت قد أنهيت قبل عدة أسابيع كتاب دموع الملح لبيترو بارتولو و ليديا تيلوتا مما أكد لي سبب خوفي من البحر، البحر في قصص الطبيب كان بوابة أمل مواربة. قد تفتح لك على مصراعيها وتنتشلك من جوع وموت وتنقلك إلى عالم آخر وقد تنغلق عليك وتبتلعك وترسلك إلى العالم الآخر، أو أسوأ من ذلك قد تبتلع كل فرد من عائلتك أمامك وتقذف بك وحيداً خارجها.
وقد يكون الاختلاف الذي فرق بين البحر والجبل هو المتشابهة بين الشجر والجبل مما وضعهما في مكانة متساوية عندي. فثبات الشجر مشابهة لثبات الجبل وإن تغيرت أحوالها خلال السنة فتغيراتها معروفه بل منتظره. وقد يكون هذا ما ابحث عنه في الجبال والأشجار عند خروجي عن المسار، لأن في تلك الأثناء اكون قد فقدت عنصر الثبات في حياتي فأسعى إلى ثبات من نوع آخر. أسعى إلى أن أعود إلى بعد فيزيائي ثابت أتيته في مختلف أحوالي ووجدته كما هو.
لم تكن لي القراءة يوماً عملاً سهلاً فأنا أجهز نفسي للقراءة كل مرة، أحدد وقت خاص لها لكن بدون طقوس فأنا لا اشرب الشاي أو القهوة وأنا أقرأ ولا اختار مكان محدد. هي فقط مهمة أحب أن أنجزها أياً كان ما أقرأ سواءً عند قراءتي الأكاديمية أو قراءتي الحرة. مع ذلك فقد تعرضت في كثير من الأحيان لحبسة القارئ. أطول مدة توقفت فيها عن القراءة كانت بعد زواجي مباشرة امتدت لسنة كاملة إلا بعض الكتب البسيطة. لذا عندما يصور أحداً كتابه في شهر العسل أرى أنه ضرباً من جنون لا افهمه. كما كنت إلى وقت قريب لا افهم من يقرأ ليهرب حتى اضطررت لذلك في السنة الماضية واستمر معي حتى اليوم.
عندما اتعرض لضغوطات كثيرة لا استطيع فصل نفسي عنها بل أُملأُ بها حتى أفيض منها. أُمسك الكتاب وأقرأ سطور لا افهم منها شيء أرى واقعي يتشكل أمامي ويخنقني. كنت لا اعلم كيف استخدم القراءة للهروب حتى حوصرت -فيزيائياً- في طريق سفر طويل فما كان مني إلا أن اخرجت كتاباً من شنطتي وشرعت في قراءته. اذكر تلك اللحظة تماماً استعرضها أمامي الآن بامتنان صادق لأنها فتحت لي باب القراءة للهرب. أُلغي كل ما حولي ومن حولي انغمست في الكتاب تماماً. لذلك أنا مدينه لهذا الموقف ما حييت لأني ما لبثت أن استخدمت هذة الحيلة الرائعة معظم الوقت. لقد اكتشفت السر!
من حساب الأستاذ عبدالله الوهيبي في انستقرام
وهذا لأن القراءة للهروب تصدق معها نية القارئ على التركيز التام مع المادة المقروءة فتنشط مناطق من الدماغ تتوافق مع ما تقرأه من مشاعر وأفكار. مما يحقق لك الاندماج مع ما تقرأ والانفصال عن واقعك أي هروبك منه. وهذا نتيجة دراسة أجريت في القرن الثامن عشر لعالمة أدب ومجموعة من علماء الأعصاب قرأتها سابقاً في كتاب أيها القارئ: عُد إلى وطنك لماريان وولف. الجدير بالذكر هنا أن القراءة في هذة الدراسة كانت تشمل القراءة “عن كثب” والقراءة للتسلية فقط. لذا هروبك مثبت علمياً بأنه حقيقي وليس مبالغة محبين القراءة. فعند تركيزك تشعر بكل ما تقرأ مثل أن تنشط المنطقة المسؤولة عن الملمس عند قراءة استعارات عن الملمس وكذلك نشاط الخلايا العصبية الحركية عند القراءة عن الحركة كما جاء بالدراسة. في المرة القادمة عند التقاطك لكتاب ما حاول أن تستحضر تركيزك التام وراقب ما يحدث.
مع أن الضغوط لا تتلاشى بكتاب جميل لكن من المريح أن يكون مفتاح الهروب في جيبك دائماً. وهنا تبرز أهمية الكتاب الالكتروني أكثر من الورقي، إذ قد تضطر أحياناً لعزلة بين مجموعة من الأشخاص يثير فضولهم دائما منظر الكتاب الورقي ويبدأون في طرح اسئلة تعيدك لواقعك وتقطع تركيزك. الكتاب الالكتروني يوفر عليك عناء الإجابات على هذة الأسئلة. كما أن الانشغلال بالهاتف يكون مقبولاً في بعض السيناريوات أكثر من إنشغالك بالكتاب ذلك لأن من الممكن أن يستخدم أحداً هاتفه من وقت لآخر على العكس من ذلك من النادر أن يخرج أحداً كتابه فجأة لتصفحه. هذة بعض الكتب التي قد تتوفر نسخ الكترونية لها مناسبة للهروب:
لم أنهي تحدي القراءة هذا العام، وضعت رقماً لا بأس به مقارنة بقراءاتي العام المنصرم ووضعت خطة جيدة لتحقيق الهدف. ولكني بدأت السنة برواية الحرب والسلم ثم تبعتها برواية الدرويش والموت مما أدى إلى تشبعي لفترة من الزمن، ثم توقفي عن القراءة إلا في بعض الأوقات. الآن أرى مكتبتي المليئة بالكتب أمامي ولكن رغبتي في التقاط احدها والبدء فيه معدومه. في العادة عند حدوث أمر مماثل أقرأ روايات لتُحسن مرونتي ثم اشرع بقراءة الكتب الثقيلة نسبياً -بما يناسب مستواي القرائي- لكن هذة المرة من أشبعني هي الروايات نفسها. افكر أن اخرج من هذا التوقف بقراءة مجموعة قصص قصيرة لغسان كنفاني بنسخة PDF على هاتفي الذي بدأت أميل أنه السبب الحقيقي وراء هذا الهبوط في الإنجاز. افكر بالقراءة على أنها هروب من الواقع والتقاط ما يمكن التقاطه لتحسين جوانب حياتي، عندما بدأت استخدام هاتفي للقراءة افتقدت هذا الهروب. فأنا أُمسك واقعي -الافتراضي- بيدي مما يعني أن التواصل مفتوح. لذا الخطوة الأولى ستكون العودة إلى الكندل.
جربت بالأمس أن اخرج من البيت بدون انترنت، كانت تجربة جميلة لم اشعر بالممل بالطبع لأنني برفقه أطفالي مع أن وقت الانتظار كان طويلاً. أفتقد هذا الشعور بين فترة وأخرى فأنا متصله بالانترنت على مدار اليوم، حتى أثناء عملي لبعض الأنشطة مثل الطبخ أو المشي أو التسوق الإلكتروني. اشتركت في يوتيوب بريميوم ليتسنى لي تشغيل المقاطع الصوتية في الخلفية. أصبحت أول خطوة بديهية لأي شيء أريد عمله هي أن ابحث عن مقطع صوتي طوله يتناسب تقريباً مع ذلك النشاط. أريد أن أقنن من هذة العادة قدر المستطاع لأدع “مخي يتنفس” أشعر به يختنق بكم هائل من المعلومات التي لا يحتاجها. لكن لا أخفي أنني استمتع ببعض الحلقات وأعيد الاستماع لها أكثر من مرة، سأضع قائمة بهذة الحلقات في نهاية التدوينة.
وبالعودة للقراءة فقد ارتبطت هذة السنة بما قرأت أكثر من السنوات السابقة، اعتقد لأن نقل الألم والمعناة هو الطابع السائد لهذة الكتب. مثل باولا لايزابيل اللندي و أنا قادم أيها الضوء لمحمد أبو الغيط و أقفاص فارغة لفاطمة قنديل و كتاب ماثيو بيري -بما انني أحدى أشد المتابعين للسلسلة الشهيرة-. تميزت هذة الكتب بنقل التجربة الإنسانية الخام ما بين ألم المرض ومحاولة الصمود والعيش. يتفق الكتاب الأول والثالث بأن المريض شخص غير الكاتب في الأول ابنتها وفي الآخر المريضة أمها. أي أن هذة الكتب تتكلم عن مشاعر وصراعات الشخص المرافق للمريض وعجزه عن تقديم المساعدة. أسلوب الكاتبتين رائع على اختلافه يجمعه استشعاري بحضورهن، أي أنني أشعر ان الكاتبه تحدثني كصديقتها المقربة. في حالة ايزابيل كانت الأمومة تدفعها للتشبث ببصيص أمل لا يوجد. كانت مؤمنة بانتصار باولا على مرضها كانت تتمسك بها بشدة تسترجعها من ذكرياتها دائماً. بينما الابنة فاطمة تدفعها حاجه أمها إلى الرعاية والواجب الذي يحتم عليها ذلك بعد تخلي أخوها عن الرعاية. في كل الكتابين اذكر تماماً مشهد الموت، لابنة ايزابيل وأم فاطمة، استسلام الكاتبتين والهدوء بعد التيقن بموتهم. هذا المشهد الذي لم يروى بطبيعة الحال في الكتابين الآخرين.
في الكتاب الثاني والأخير الراوي هو المريض نفسه، يحكي معاناته الشخصية مع المرض وشتان ما بين الكتابين. تشاندلر بنق هو شخصيتي المفضلة في السلسلة ثم بعده مباشرة فيبي بوفيه. تعاطفت مع خبر وفاة الممثل مما دفعني مباشرة لقراءة كتابه الذي ادهشني وجعلني انظر لماثيو نظرة مختلفة. شخصية انهزاميه لا مسؤولة يضع العبء على غيره ليخفف من ثقل فشله. صحيح أنه حاول تصحيح مساره في نهاية حياته لكن لا تزال ترسبات شخصيته القديمة تظهر بين الكلمات. لذلك شتان ما بينه وبين محمد أبو الغوط. أنا قادم أيها الضوء كتاب بدايته أمل ونهايته استسلام لقدر حتمي، توافقت تطورات مرضه لتطورات نظرته وتعامله مع هذا المرض. عرفت محمد أبو الغوط عندما انتشر خبر وفاته، قرأت المنشورات الموجودة في حسابه مباشرة ثم توقفت عن القراءة حيث انتظر طباعة وبيع الكتاب. الكتاب رائع كله ولكن الفصول الأخيرة المخصصه لزوجته وابنه ووالديه من الفصول التي تعلق بالذاكرة وقت طويل.
قد يجادل البعض بعبثيه القراءة لمثل هذة الكتب وتعريض الشخص نفسه للمشاعر الثقيلة نوعاً ما والذي يمكنه تجنبها. جوابي الشخصي هو تفضيلي لهذا النوع على بقية التصنيفات، فأنا مفتونه في التجربة الإنسانية أياً كانت. أحب كتب السيرة الذاتية وأرى قوة الشخص عند اعترافه بضعفه البشري أمام الناس بلا خجل. في كثير من المواقف التي تمر عليّ استحضر تلك الشخصيات أمامي واتذكر قول لها عندما تعرضت لمواقف مشابهه. قراءة هذا النوع من الكتب يعطى مدى أوسع لرؤيتك، وزيادة قابليتك لتفهم الشخص الآخر دون أن يصف ما يشعر به.