أرشيف الأوسمة: #مرض

بصحبة ايزابيل وفاطمه وماثيو ومحمد

لم أنهي تحدي القراءة هذا العام، وضعت رقماً لا بأس به مقارنة بقراءاتي العام المنصرم ووضعت خطة جيدة لتحقيق الهدف. ولكني بدأت السنة برواية الحرب والسلم ثم تبعتها برواية الدرويش والموت مما أدى إلى تشبعي لفترة من الزمن، ثم توقفي عن القراءة إلا في بعض الأوقات. الآن أرى مكتبتي المليئة بالكتب أمامي ولكن رغبتي في التقاط احدها والبدء فيه معدومه. في العادة عند حدوث أمر مماثل أقرأ روايات لتُحسن مرونتي ثم اشرع بقراءة الكتب الثقيلة نسبياً -بما يناسب مستواي القرائي- لكن هذة المرة من أشبعني هي الروايات نفسها. افكر أن اخرج من هذا التوقف بقراءة مجموعة قصص قصيرة لغسان كنفاني بنسخة PDF على هاتفي الذي بدأت أميل أنه السبب الحقيقي وراء هذا الهبوط في الإنجاز. افكر بالقراءة على أنها هروب من الواقع والتقاط ما يمكن التقاطه لتحسين جوانب حياتي، عندما بدأت استخدام هاتفي للقراءة افتقدت هذا الهروب. فأنا أُمسك واقعي -الافتراضي- بيدي مما يعني أن التواصل مفتوح. لذا الخطوة الأولى ستكون العودة إلى الكندل.

جربت بالأمس أن اخرج من البيت بدون انترنت، كانت تجربة جميلة لم اشعر بالممل بالطبع لأنني برفقه أطفالي مع أن وقت الانتظار كان طويلاً. أفتقد هذا الشعور بين فترة وأخرى فأنا متصله بالانترنت على مدار اليوم، حتى أثناء عملي لبعض الأنشطة مثل الطبخ أو المشي أو التسوق الإلكتروني. اشتركت في يوتيوب بريميوم ليتسنى لي تشغيل المقاطع الصوتية في الخلفية. أصبحت أول خطوة بديهية لأي شيء أريد عمله هي أن ابحث عن مقطع صوتي طوله يتناسب تقريباً مع ذلك النشاط. أريد أن أقنن من هذة العادة قدر المستطاع لأدع “مخي يتنفس” أشعر به يختنق بكم هائل من المعلومات التي لا يحتاجها. لكن لا أخفي أنني استمتع ببعض الحلقات وأعيد الاستماع لها أكثر من مرة، سأضع قائمة بهذة الحلقات في نهاية التدوينة.

وبالعودة للقراءة فقد ارتبطت هذة السنة بما قرأت أكثر من السنوات السابقة، اعتقد لأن نقل الألم والمعناة هو الطابع السائد لهذة الكتب. مثل باولا لايزابيل اللندي و أنا قادم أيها الضوء لمحمد أبو الغيط و أقفاص فارغة لفاطمة قنديل و كتاب ماثيو بيري -بما انني أحدى أشد المتابعين للسلسلة الشهيرة-. تميزت هذة الكتب بنقل التجربة الإنسانية الخام ما بين ألم المرض ومحاولة الصمود والعيش. يتفق الكتاب الأول والثالث بأن المريض شخص غير الكاتب في الأول ابنتها وفي الآخر المريضة أمها. أي أن هذة الكتب تتكلم عن مشاعر وصراعات الشخص المرافق للمريض وعجزه عن تقديم المساعدة. أسلوب الكاتبتين رائع على اختلافه يجمعه استشعاري بحضورهن، أي أنني أشعر ان الكاتبه تحدثني كصديقتها المقربة. في حالة ايزابيل كانت الأمومة تدفعها للتشبث ببصيص أمل لا يوجد. كانت مؤمنة بانتصار باولا على مرضها كانت تتمسك بها بشدة تسترجعها من ذكرياتها دائماً. بينما الابنة فاطمة تدفعها حاجه أمها إلى الرعاية والواجب الذي يحتم عليها ذلك بعد تخلي أخوها عن الرعاية. في كل الكتابين اذكر تماماً مشهد الموت، لابنة ايزابيل وأم فاطمة، استسلام الكاتبتين والهدوء بعد التيقن بموتهم. هذا المشهد الذي لم يروى بطبيعة الحال في الكتابين الآخرين.

في الكتاب الثاني والأخير الراوي هو المريض نفسه، يحكي معاناته الشخصية مع المرض وشتان ما بين الكتابين. تشاندلر بنق هو شخصيتي المفضلة في السلسلة ثم بعده مباشرة فيبي بوفيه. تعاطفت مع خبر وفاة الممثل مما دفعني مباشرة لقراءة كتابه الذي ادهشني وجعلني انظر لماثيو نظرة مختلفة. شخصية انهزاميه لا مسؤولة يضع العبء على غيره ليخفف من ثقل فشله. صحيح أنه حاول تصحيح مساره في نهاية حياته لكن لا تزال ترسبات شخصيته القديمة تظهر بين الكلمات. لذلك شتان ما بينه وبين محمد أبو الغوط. أنا قادم أيها الضوء كتاب بدايته أمل ونهايته استسلام لقدر حتمي، توافقت تطورات مرضه لتطورات نظرته وتعامله مع هذا المرض. عرفت محمد أبو الغوط عندما انتشر خبر وفاته، قرأت المنشورات الموجودة في حسابه مباشرة ثم توقفت عن القراءة حيث انتظر طباعة وبيع الكتاب. الكتاب رائع كله ولكن الفصول الأخيرة المخصصه لزوجته وابنه ووالديه من الفصول التي تعلق بالذاكرة وقت طويل.

قد يجادل البعض بعبثيه القراءة لمثل هذة الكتب وتعريض الشخص نفسه للمشاعر الثقيلة نوعاً ما والذي يمكنه تجنبها. جوابي الشخصي هو تفضيلي لهذا النوع على بقية التصنيفات، فأنا مفتونه في التجربة الإنسانية أياً كانت. أحب كتب السيرة الذاتية وأرى قوة الشخص عند اعترافه بضعفه البشري أمام الناس بلا خجل. في كثير من المواقف التي تمر عليّ استحضر تلك الشخصيات أمامي واتذكر قول لها عندما تعرضت لمواقف مشابهه. قراءة هذا النوع من الكتب يعطى مدى أوسع لرؤيتك، وزيادة قابليتك لتفهم الشخص الآخر دون أن يصف ما يشعر به.

هذة قائمة حلقات رائعة استمتعت بها: