أرشيف الأوسمة: #نشرة

ما العلاقة بين عودة النشرات البريدية وزيادة الأصنام؟

قرأت قبل فترة عن ازدياد عدد مستخدمي التواصل الاجتماعي الذين يفضلون المشاهدة بدلاً من العرض -الأصنام-. وقد رُشحت عدة أسباب لذلك منها اتقاء تنمر المجهولين واستحالت المحتوى المعروض إلى محتوى “مصنع” مما أفقد وسائل التواصل الاجتماعي طابعها العفوي. كما أن استخدامنا لهذة المنصات لأكثر من عقد من الزمن أثبت لنا حقيقة نعرفها جميعاً عدا أننا لم نتخيل عواقبها وهي حقيقة أن الانترنت لا ينسى. وأن تأثير غياب الهوية الحقيقية قد يحول الشخص إلى كومة شر متقده.

كما أن الخوارزميات التي تستخدمها هذة البرامج مثل تيك توك وfor you في تطبيق X و Reels في انستقرام و shorts في يوتيوب جميعها تعتمد على جذب المستخدم لأطول وقت ممكن. أي انها تركز على استهداف المستخدم كمشاهد أكثر من استهدافه كعارض. وعيب هذة الخوارزميات أنها تجلب لك الغث والسمين، تتيح لك تخيل أن لديك السيطرة ولو بشكل جزئي على ما يتم عرضه عليك من خلال الضغط على خيار “غير مهتم” لكن الحقيقة مختلفة تماماً. ينجذب إليها الشخص في البداية ثم ينتهي به المطاف إلى تخمه معرفية قمامية للأسف. وتكمن الخطورة هنا أن الشخص في الغالب سيأخذ هذة المعلومات كمسلمات بدون تعريضها لمصفاته النقدية. ومع مرور الوقت تهتز القاعدة المعرفية التي يرجع إليها عند الحكم على الأشياء، تبعاً لقاعدة المألوف التي شرحها الدكتور محمد الحاجي في بودكاست آدم. يرعبني تخيل ما الذي سيحدث لأولادنا مع تعرضهم المستمر لمجموعة من العروض التي لا تتناسب مع ديننا ولا قيمنا الاسلامية والمجتمعية، أنى لهم قاعدة ينطلقون منها عند نقدهم لأفكار جديدة؟ كما يرعبني التفكير فينا نحن كمقدمي رعاية لهم في المقام الأول. كيف دُرب فكرنا ليكون مناسب لطبيعة هذة المنصات، سطحي وسريع.

الفطن هنا من ينتبه لنفسه ويراجع مصادره المعرفية لأنها ستكون أول ما يخرج من فمه عندما يتحدث. منذ بداية وسائل التواصل الاجتماعي احرص على القيام بـ”ديتوكس” منها بعد مدة معينة، لأني كنت أعي ما تحدثه في نفسي. أحرص على تصفية المتابعين كلما أحسست أن الزمام قد انفرط وبدأ يصدر مني ما لا أرتضيه عن نفسي. أُرجع الأمر دائما إلى ما أشاهد وما أقرأ. من الحلول المقترحة تخصيص وقت معين لتطبيقات التواصل الاجتماعي، أي ربطها ببعض عاداتك اليومية لكيلا تكون أول ما تفعله عند فراغك لأنك ستضطر إلى تركها عند الانتهاء مما تفعل بعكس حالة الفراغ التي قد تفقد معها الشعور بالوقت. ساعدتني ميزة App Limits في تحديد وقت للتطبيقات، صحيح أنه من السهل تجاوزها ولكنها تعطي إشعار بتجاوزك الحد مما يضفي شعور من الضغط وعدم الراحة أثناء تصفحك. الجدير بالذكر أن الدراسات تؤكد أن أقصى مدة للتعرض السليم للانترنت بكل وسائلة هي 30 دقيقة في اليوم! أي مدة تتجاوزها تعتبر تهديد صريح لسلامتنا النفسية.

لكن السؤال هنا في خضم كل هذة الوسائل التي تعطي الانسان الرقمي إحساس زائف بالانشغال والتخمة المعرفية، ما سبب رواج النشرات البريدية من جديد؟ وهل خطورتها مثل خطورة وسائل التواصل الاجتماعي؟

  • طريقة العرض

لم يكتفي الانسان الرقمي بكون المحتوى يعرض عليه تباعاً دون أدنى مجهود لاختياره بل بعضهم يُطالب بحل “مشكلة” التنقل بين المقاطع -أي سحبها لأعلى- لأنه يؤمن أن هذا جهداً لا يستطيعه، وأيده الكثيرون! وهذة أحد الميزات في النشرات البريدية، تكون محددة الفقرات أو ذات فقرة واحدة قصيرة مما يسهل على المستخدم قراءة محتوى منوع دون الحاجة الفعلية بالتنقل بين الفقرات.

  • عودة الصنم

كان الصنم في بداية التواصل الاجتماعي وصمة عار لا يرضاها المستخدم عن نفسه، ارتبطت دائما بالمراقب الخفي. ومع التحولات الكثيرة التي طرأت على هذة الوسائل اختلف معها تعريف الصنم. فبات هو المشاهد الذي يحرص العارض أو صانع المحتوى على جذب اهتمامه لنمو أرباحه. ومع ازدياد أعدادهم أتت النشرات البريدية مثالية تماماً لهذا النوع من المستخدمين، كل ما عليه فعله هو الاشتراك أو إلغاء الاشتراك في هذة النشرات.

  • التلهف والانتظار

النشرة البريدية تحقق لنا التلهف والانتظار للمحتوى المقروء الذي فقدناه. على العكس من ذلك، للمحتوى المرئي والمسموع قنواته التي ما زالت تعطي هذا الإحساس. مثل البودكاست واليوتيوب وغيرها من القنوات التي تعرض المحتوى في أوقات محددة.

  • المحتوى

النشرة البريدية تخرجنا من فقاعة المعلومات التي تحاصرنا فيها خوازميات وسائل التواصل الحالية. نشترك في نشرة بريدية مختصه في محتوى نحبه ونعلم أننا سنجد فيه ما نحب وما نكره، ما يعجبنا وما لا يعجبنا، أي سنجد التنوع الطبيعي للأفكار.

لذلك أراهن عليها وعلى المدونات -بعد الله- في أن تعيد للإنسان الرقمي قدرته على النفس الطويل للغوص في أعماق الكتب.