لا تجعل من صاحبك اسفنجة

أنتم سروري وأنتم مشتكى حزني
وأنتــم فـي ســواد الليل ســماري
أنتــم وإن بعــــدت عني منــازلكـم
نــوازل بـيــن إســراري وتــذكــاري
الله جــــــاركـــــم ممــــا أحـــــاذره
فيكم وحبي لكم من هجركم جاري

شاهدت مؤخراً حلقة الدكتورة هبة في بودكاست فنجان مع ثمانية. ذكرت فيها دراسة عن مدى تأثير التعاسة الزوجية على جمال المرأة. أجريت الدراسة على مجموعة من السيدات المتزوجات وجدوا فيها أن مجموعة النساء التي تتحدث عن مشاكلها الزوجية مع “مجموعة دعم” لم يتأثر شكلهم الخارجي مع مرور الزمن والعكس حدث مع المجموعة التي تضمر في نفسها. حيث بدأت أكبر بالعمر وتشتكي من مختلف الآلام والأمراض. واستشهدت الدكتورة بحديث أم زرع على وجود هذا النوع من مجموعات الدعم في وقت سابق -وان اختلف شكله-.

أؤيد هذة الفلسفة كوسيلة للتعامل مع المشاعر التي تعصف بنا في بعض الأوقات. أراها كوسيلة نستخدمها مثل أن نستخدم الكتابة لذلك. وهي قد تعزز من أواصر العلاقات وقد تهدمها، فلسفتي فيها هي أن نسدد ونقارب. وانصح بقراءة كتاب “ربما عليك أن تكلم أحدا” لأنه يشرح هذة الوسيلة وكيفية استخدامها بكفاءة. ولكن أنا ضد أن تتحول مجموعتي الداعمة -وغالباً صديقتي- لإسفنجة وظيفتها فقط امتصاص مشاعري السلبية.

تمر الصداقة بعدة مراحل أولها مرحلة البدايات وحماس التعرف على علاقات جديدة. تتسم بطابع المرح والفضول والكثير من القصص التي تنتظر منا أن نرويها. ثم المرحلة التي تليها مباشرة هي مرحلة التآلف وهي المرحلة التي لابد أن تحدث لاستمرار علاقة الصداقة. تتسم هذة المرحلة باكتشاف نقاط مشتركة مثل الاهتمامات أو الأفكار أو المرجعيات الاجتماعية وغيرها. ما يهمنا من هذة المراحل هي مرحلة متقدمة قد تصلها بعض الصداقات، أطلقت عليها مرحلة الاسفنجة. أن تكون مهمة صديقتك الوحيدة هي امتصاص طاقتك السلبية وقد يكون الأمر بالتبادل أحياناً. أن يكون صديقك هو معالجك النفسي الغير مختص. هذة المرحلة تضع حمل ثقيل على طرف الاسفنجة في العلاقة. فهو يحتار بين رغبته بتقديم المساعدة والأذن الصاغية وبين جهله بطرق معالجة هذا الكم الهائل من المشاعر السلبية التي تجتاحه. وقد يقدم مشوره تضع صديقه في مزيد من المشاكل.

هذة المرحلة هي مفترق طرق، إذا كان الصديق المستاء أناني بما يكفي لتجاهله عمداً بمدى الضرر الذي يسببه كلامه على صديقه الاسفنجة فهو من البداية لا يأخذ هذة العلاقة على وضع متكافئ. على الاسفنجة أن يحدد وضع صديقه ثم يتعامل معه بناءً على ذلك. وقد تختلف هذة الحالات بتباين الشخصيات والأوضاع مثل:

  • جهل الصديق المستاء بمدى تأثير كلامه على صديقه الاسفنجة، هنا من حق الصديق أن يعلم. على الاسفنجة أن يتكلم مع صاحبه بصراحة تامة. أن يبين له عن استعداده التام لسماع الشكوى وبمدى تأثيرها عليه وأن يبين أنها تقع في نفسه هذا الموقع لرفعه مكانة صديقه عنده. فهو لا يتملل منه بل يريد أن يضع هذة الشكوى في قالب يناسب الطرفين.
  • ضعف شخصية الاسفنجة وعدم قدرتها على المصارحة، قد يضطره ذلك لاستخدام الحيل للخروج من وضعية الصديق الاسفنجة.
  • انتهاء المنفعة من هذة الصداقة حيث قامت ببدايتها على وجة تشابه انتهى، مثل مكان عمل واحد. عندها استحالت هذة العلاقة إلى مكب تفريغ لا أكثر. هنا الأفضل للطرفين أن تنتهي هذة الصداقة مع حفظ العشرة والأيام الجميلة بينهم.

على أن انوه أن المقصود بالصديق المستاء في هذة التدوينة هو شخص سليم لم يتم تشخيصه بأحد الأمراض النفسية ويشعر أنه في دائرة مظلومية يتخيلها. الصديق الذي يرفض كل الحلول المقترحة للخروج من هذة الدائرة. الذي يستمتع بشعور الشفقة والنقص، الذي لا يرى النعم المحيطه به ويركز على النقص في حياته. الصديق الذي يستمر في هذة الدائرة سنين طويلة لا يريد الخروج منها وإن حلت مشكلة يخترع مكانها مشاكل أخرى ليضل بهذة الدائرة.

أما الصديق الذي يمر عليه طيف الاستياء ويشتكي لصديقه فهذا لا ينطبق عليه أياً مما سبق. فنحن بأصدقائنا نتحمل أقدار الحياة وتقلبات الزمان.

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواســيـك أو يسلــيك أو يتـوجــع

آمل أن لا تكون التدوينة سبب لنهاية صداقات قديمة بل سبب في تصحيح مسارها. قرأت مرة أننا في كل علاقة صداقة نقسم جزء من روحنا لهذا الصديق نشاركه همومنا وأفراحنا وأفكارنا وطموحاتنا ونرى العالم بنظرة وسطية بين ما يراه وما نراه. نستودعه هذا الجزء ونمضي وعندما تمر علينا ليالي عجاف نقابل أصدقائنا ثم يُستدعى هذا الجزء من روحنا ليعيدنا إلى المسارالصحيح. هذة العلاقة السامية لا ينبغى أن تدمرها اسفنجة.

3 أفكار بشأن “لا تجعل من صاحبك اسفنجة

اترك رداً على روان إلغاء الرد